استكمالا لما كتبته أمس، تعليقا على سلسلة المقالات التى نشرتها على مدار أكثر من شهر بعنوان «فكرة لوزيرة الثقافة من «1 :25»، أؤكد اليوم أن أية فكرة تطرح على الوزارة ويكون بها القليل من القابلية للتنفيذ لابد أن يسبقها تغيير هيكلى كبير فى الوزارة ومفهومها عن العمل الثقافى، فالوزير ليس موظفا يدير موظفين، كما أنه ليس رئيس رؤساء القطاعات التى تعمل معه، لكنه واضع الخطط ومنبر الإعلام وبانى السياسات وراسم الأدوار، وفى الحقيقة فإنى غير راض على الإطلاق عن آليات العمل فى وزارة الثقافة ولا فى طريقة تناولها للقضايا، وفى الحقيقة أيضا فإنى أعتبر غالبية الوزراء الذين تولوا الوزارة بعد الفنان فاروق حسنى مجرد وزراء تسيير أعمال، أعظم إنجاز لهم هو توقيع الحضور والانصراف من وإلى الوزارة أو الهيئة أو الندوة.
هنا أشير إلى أهمية تحرير العمل الثقافى من القوالب الجامدة والصيغ المستهلكة والشخصيات البالية والآليات المعقدة، فالثقافة هى أول إشارات الحياة وأول أدوات الحراك، فلماذا نضعها فى هذا الوضع الجامد المتصلب الذى لا يخرج من فكرة تسيير أعمال القطاعات الثقافية المتعددة، وتنفيذ أجندة الأنشطة الثقافية التى أصبحت غير صالحة للاستهلاك الآدمى؟
ربط أنشطة الوزارة وخططها بما نحتاج إليه «اجتماعيا» أصبح أمرا ضروريا، ولأن المثل الإنجليزى يقول إنك لا تستطيع إدارة ما لا تستطيع قياسه أو «إحصاؤه» فلابد للوزارة من أن تنشئ وحدة دراسات استراتيجية ثقافية تعتنى برصد الحالة الثقافية فى مصر وتقديم تقاريرها كل شهر إلى رؤساء قطاعات الوزارة ومؤسساتها، ليعرف المسؤولون عن أى شىء سيسئلون، ولتدلى كل مؤسسة من هذه المؤسسات بدلوها فى معالجة سلبيات المجتمع وتدعيم إيجابياته، بالشكل الذى يربط الثقافة بالشعب، فقد غرقت وزارة الثقافة فى السنوات الماضية فى محاولة إرضاء المثقفين وانحازت إلى اختيارات النخب ففقدت التواصل مع غالبية المصريين وتركتهم فريسة للأفكار المتطرفة والأخلاقيات الدخيلة والسلوكيات المشينة، لذا كان لابد لنا من وقفة حقيقة صادقة لرصد تموضعات الثقافة فى البنية الاجتماعية المصرية وكيفية الارتقاء بها بالشكل الذى يقلص الفارق بين ثقافة النخبة وثقافة الهامش.