كان يشاهد والده يخطو بأصابعه نافخا فى "الزمارة" منذ 70 عاما، فأمسكها حتى وقع فى عشقها، ورغم بساطة مكوناتها لكنها تحمل قيم جمالية وفنية تحكى أسرار مجتمعات الجنوب وما يحتويه من أغانى ظلت خالدة إلى وقتنا، عشقها فأصبح من رواد الفن والتراث القديم وساهم فى أحياء الحفلات الشعبية القديمة.
قناوى بخيت صاحب الـ84 عامًا أخطبوط الزمارة البلدى فى محافظة قنا، هكذا يلقبونه زملاء مهنته لأنه الأقدم والأكبر بينهم، فهو يعيش فى قرية جراجوس التابعة لمركز قوص جنوب محافظة قنا، وانطلقت قصته مع الزمارة البلدى، حتى أصبح يمتلك أقدم الفرق الصعيدية التى جابت دول أوروبا والخليج للتغنى وتشدو هذا الفن والتراث القديم ممزوجة بعبارات العشق والحب والليالى السعيدة .
وقال "قناوى": "خرجت وأنا صغير وجدت والدى وجدى يعمل بفن المزمار، عمرى وقتها 12 عاما، كنت أمسك بالزمارة وأقلدهم عندما يتغانون بها، فوجدت نفسى عاشقا وطلب من والدى أن يعلمنى فكنت أذهب معه إلى الموالد والأفراح ومسابقات التحطيب والمرماح، حتى تعلمت كيفية التغنى بالزمارة البلدى، وكانت البداية مع فرق الربابة فى الأقصر، وكان أول مبلغ تحصلت عليه من "الزمارة" أن فرحتىى كبيرة لأنى لم أرتجف فكان أمامى الآلاف من الجمهور، فى الغناء مع الفرق يحتاج إلى دقة وتركيز حتى تسير مع نمط الأغنية وفق الآلات الأخرى".
وأضاف أخطبوط الزمارة البلدى: "مهنة الزمارة لا تحتاج إلى التدريب كثيرا فى الزمارة بتحب إلى بيعشقها وبيحبها، دخولى فى هذا المجال كان نابعا عن حب، حتى أصبحت أقدم زمار فى محافظة قنا بسبب حبى وعشقى لهذا الفن والتراث القديم، والشخص الذى يريد أن يتعلم شىء يجب فى البداية أن يكون محبا لما يريد أن يتعلمه حتى يجد بينه وبين الزمارة محبة وعشق خاص، فى هناك بعض أولادى يحبون المزمار كنت حريص أن أعلمهم، وهناك من رفض ولم أجبره على التعلم".
وعن سر تسميته بأخطبوط الزمارة، أكد قناوى، على أن هذا الاسم أطلق عليه أنه من أقدم الزمارين الموجدين فى مصر وفى محافظة قنا، والحمد لله رغم كبر سنى لكن عندى مقدرة أن أعمل بالزمارة أفضل من شاب فى الثلاثين من عمره، أحنا غرقنا فى السمنة البلدى وارتفاع السن لم يكن مشكله بالنسبة ليا، لكن ضعف الحركة وعدم القدرة على المشىى هو العائق، لكن الصوت الحمد لله يقدر يشتغل اليوم كله والأحبال الصوتية لا تتأثر بكبر السن".
ذكريات الحاج قناوى، ارتبطت بأيام العشق مع الراحل عبد الرحمن الأبنودى، مؤكدا على أن الشاعر الراحل كان يحب الزمارة والربابة، مضيفًا: "وكان الأبنودى دائم الحرص على حضور الحفلات الشعبية والغنائية التى كنا نؤديها فى الأقصر والقاهرة، ومولد أبو الحجاج، فالأبنودى أضاف للسيرة الهلالية، وكان بيطلب منى فى بعض الأوقات مقطوعات تأديتها بالمزمار البلدى".
وتابع أخطبوط الزمارة البلدى: "ذئاب الجبل والضوء الشارد الناس لما بتشوف حد ماسك زمارة أول حاجة بيطلبوها لأنها ارتبطت بالصعيد، وهذة المقطوعات حديثة لكن الزمارة موجودة بداية من حفلات " الغوازى" إلى بيقولوا عليهم راقصات، والزمارة كانت عامل أساسى التى تؤدى عليها فقرات فى الموالد قبل ظهور المعدات الحديثة".
واختتم قناوى حديثه لـ"اليوم السابع": فرقة الزمارة القنائية من أقدم فرق المزمار البلدى، والذى ذاع صيتها فى بلدان أوروبية عديدة منها وسافرنا إلى فرنسا وألمانيا وأمريكا وسويسر وإيطاليا وكان الأجانب يفرحون بهذا الفن لأنه مش موجود من يعمل ويتقن هذا الفن لأن هذا الفن قائم على النفخ وليس على العمل اليدوى، والمزمار يصنع فى مصر فقط وهى يتم تصنيعها من خشب المشمش وصلاحية الزمارة التى أتغنى بها أكثر من 50 عاما وهى معايا لا تفارقنى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة