يمثل قرار أمريكا بفرض رسوم على وارداتها من الصلب والألمونيوم تهديدا لاتفاقية التجارة الحرة العالمية، وبداية للحروب التجارية. وتحولا فى السياسة والاقتصاد فى العالم. حيث تواجه أمريكا منذ سنوات عجزا فى الميزان التجارى مع الصين ودول أخرى، وهو مادعا دونالد ترامب إلى اتهام سلفه باراك أوباما بالضعف، ووعد بإجراءات تعيد التوازن وتخفض العجز وتدعم الصناعات الأمريكية.
كما أعلن ترامب فى جولته الآسيوية الأخيرة عن رغبته فى معالجة العجز التجارى مع الصين، معترفا أن الصين من حقها الدفاع عن مصالحها، بينما قرارات الدول النامية لخفض العجز فى ميزانها التجارى كانت تقابل برفض من الدول الكبرى، وقد ظلت الدول الكبرى تدعم المزارعين على عكس ما تنص عليه الاتفاقية.
وقد تأسست منظمة التجارة العالمية فى أول يناير 1995، بديلا لاتفاقية التعريفات «الجات» التى أنشئت فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، ويبلغ عدد أعضاء منظمة التجارة العالمية 164 دولة بعد انضمام أفغانستان فى 2016، وتمنع الاتفاقية فرض ضرائب أو قيود كمية على الواردات. أو إجراءات تقيد التجارة، من دون موافقة كل الأعضاء، أو تميز الواردات، وتنظم تنقل السلع العابرة «الترانزيت»، وتنظم إجراءات مكافحة الدعم والإغراق وأسلوب احتساب الجمارك وعلامات المنشأ.
وهناك مواد تمت إضافتها تلزم الدول الصناعية بإجراءات تنعش مصالح الدول النامية، لكن هذه الدول التى أطلق عليها دول الجنوب عانت من تدفق الصادرات من دون أن تمتلك سلطة لفرض إجراءات حمائية، على العكس مما فعلته الولايات المتحدة، التى أعلنت فرض رسوم جمركية على واردات الصلب بواقع %25 والألومونيوم بواقع %10، وهو ما بدا تراجعا عن اتفاقية التجارة الحرة، التى كانت أمريكا والدول الصناعية الكبرى وراء إطلاقها غير عابئين بمصالح الدول الأضعف، التى كانت تطلب فرض رسوم إغراق أو تواصل دعم منتجاتها.
إقدام أمريكا على إجراءات لفرض رسوم من شأنها أن تمثل مخالفة للاتفاقية، وهى من أكثر الدول التى دافعت عنها، ويمكن أن يدفع الدول الصناعية الكبرى لأن تفعل مثل واشنطن بما يفرغ اتفاقية التجارة من مضمونها. ولهذا تواجه الإجراءات الأمريكية معارضة من الشركاء التجاريين وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبى والصين، التى تعتبرها تهديدا بحرب تجارية، وهدما لحرية التجارة العالمية التى حاربت من أجلها الدول الكبرى لسنوات طويلة. بعض التحليلات تشير إلى أن فرض رسوم جمركية على سلعتين فقط الصلب والألمونيوم لايهدد اتفاقية التجارة الحرة، لكن الشركاء التجاريين للولايات المتحدة يهددون بفرض ضرائب مماثلة، الأمر الذى يمكن أن يتطور إلى حرب تجارية، وبالطبع فإن الدول المختلفة تحرص على علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة، وتحدد اتفاقية التجارة العالمية بنود الدول الأولى، بحيث تلتزم أى دولة تمنح دولة أخرى استثناءات، بأن تمنحها للدول الأخرى من دون طلب، لكن أمريكا فيما يتعلق بفرض رسوم على وارداتها من الحديد والألمونيوم منحت استثناءات لأستراليا، فيما تحاول دول أخرى ومنها مصر التفاوض للحصول على استثناءات على صادراتها من الصلب.
وفى الوقت الذى تفرض الولايات المتحدة إرادتها وتعطل بعض مواد اتفاقية التجارة، ينادى بعض الخبراء بأهمية أن تتوحد دول الجنوب لتفرض إجراءات حماية لمنتجاتها، وتستفيد من هذه الثغرات.