مشكلة البطالة فى مصر معقدة وهيكلية، فهناك مئات الآلاف من الخريجين يضافوا إلى سوق العمل سنويا، واستثمارات يتم ضخها ولكنها لا تكفى لاستيعاب هذه الأعداد الهائلة من الباحثين عن العمل. فكم يتكلف توفير وظيفة جديدة؟
فى مدونة نشرها البنك الدولى الاثنين الماضى، قال الباحثان ديفيد روبالينو مدير مجموعة الوظائف الشاملة، ومحمد مروانى الخبير الاقتصادى والأستاذ المشارك فى جامعة السوربون، إن خلق فرصة عمل جديدة ليس بالأمر اليسير فالتكلفة تزيد عن 20 ألف دولار لكل وظيفة.
وقالت المدونة: "لكى يتمكن العامل من القيام بشئ مفيد يجب أن يكون لديه المعدات ويفترض كذلك أن يكون لديه مكان للعمل فيه، ويتعين على الشركات التى تستعين بالعامل أن تشترى التأمين وتدفع رسوم أنواع مختلفة من التصاريح، بالإضافة إلى خدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه".
وضربت المدونة مثالا بحالة مقهى جديد فى الولايات المتحدة الأمريكية، والذى يتكلف إنشائه حوالى 80 – 250 ألف دولار، وعادة ما يوظف هذا المقهى بين 3 – 7 أشخاص مما يعنى أن كل وظيفة ستتكلف ما بين 25 – 30 ألف دولار.
هذه التكلفة لا تقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية، فمن خلال حسابات قامت بها المدونة على دولتين منهما تونس، فإن استثمار 10 ملايين دولار يمكنها خلق حوالى 300 وظيفة فى قطاعات مثل التجارة أو الأخشاب أو البناء، ولكن يقل عدد الوظائف فى قطاع الكهرباء والنقل إلى 100، وهو ما يشير إلى أن تكلفة الوظيفة الجديدة فى حدود 30 ألف دولار، وهو ما يثبت أن خلق وظيفة جديدة ليست بالأمر الرخيص.
فى مصر يضاف سنويا ما بين 650 – 750 ألف خريج إلى سوق العمل، بحسب تصريحات للدكتورة هالة السعيد وزير التخطيط، ولكن ليس هذا العدد فقط هو ما تحتاج مصر توظيفه سنويا لأن هناك تراكمات بطالة هيكلية، وهو ما يعنى أن مصر تحتاج لتوفير حوالى مليون فرصة عمل سنويا بحسب ما أعلنه الدكتور أسعد عالم، المدير القطرى لمصر واليمن وجيبوتى بالبنك الدولى، فى ندوة عقدها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية قبل أسبوعين.
فإذا كانت تكلفة خلق فرصة عمل جديدة تتكلف ما بين 25 – 30 ألف دولار سنويا، فمصر تحتاج توفير 25 – 30 مليار دولار سنويا لتوظيف هذه العمالة، وهو ما يعادل 437.5 - 525 مليار جنيه – باحتساب سعر الدولار 17.5 جنيه.
الرقم يبدو ضخما، يهدد قدرة الحكومة على النجاح فى حل المشكلة، ولكن واقعيا انخفضت نسب البطالة إلى 11.9% خلال الربع الأخير من عام 2017، مقارنة بنحو 12.4% خلال نفس الفترة من 2016، بفضل الوظائف التى خلقتها الاستثمارات والمشروعات القومية الكبرى، ولكن مازالت البطالة مرتفعة.
مدونة البنك الدولى، تشير إلى أنه فى حالة الدول التى لديها مشكلة بطالة هيكلية ولا تكون هناك فرص عمل كافية، أو على الأقل العدد الكافى من الوظائف الجيدة، فقد لا يكون أمام الحكومة خيار آخر سوى تحفيز الاستثمارات وخلق فرص العمل، وهو ما ينطوى على زيادة الطلب الكلى أو الاستثمارات التى تستهدف قطاعات محددة.
وفى هذه الحالات لا تكون تكلفة كل وظيفة مؤشرا مناسبا لقياس سياسات خلق فرص العمل، بل يكون المؤشر هو معدل العائد الاجتماعى المرتبط بالإجراء الذى تنفذه الحكومة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة