كل يوم أمر على أحد محلات الملابس التى تعرض مستلزمات البيت من مفروشات وملابس وحتى أدوات المطبخ، وفى الحقيقة أنا لم أكن أنتبه أبدا لهذا المحل لولا ابنى الصغير «ثلاث سنوات ونصف» الذى كلما مررنا على هذا المحل صاح منتشيا «هالو كيتى» وفى البداية لم أكن أعرف ما الذى يقوله أو ما الذى يعنيه، وحسبت تلك الكلمة ضمن قاموس كلماته غير المفهومة التى يتحفنا بها على مدى اليوم، لولا تدخل زوجتى التى شرحت لى أنه ينادى على شخصية كرتونية مرسومة على إحدى الملاءات التى يعرضها هذا المحل بكل هذه البهجة وكل هذا الاحتفاء.
جعلنى ابنى الصغير «ورد»، الذى كتبت له كتابا بعنوان «ابنى يعلمنى»، أنتبه إلى أننا لا نمنح أطفالنا أى مشهد مبهج فى الطرق التى يمرون عليها، نحن نفينا أطفالنا عن شوارعنا، غابت محلات لعب الأطفال، وغابت حتى الإعلانات الكرتونية المحببة، كما غابت الأغنيات الرشيقة والكلمات الرقيقة والألحان العميقة، طردنا أبناءنا من شوارعنا تماما، فصارت الشوارع ملكا للقبح، ملكا للسائس البلطجى وصناديق القمامة وإعلانات الملابس الداخلية.
طردنا أبناءنا من شوارعنا، كما طردنا ذوى الاحتياجات الخاصة، وكما طردنا الأشجار والحدائق والنظام وحتى الهواء، صرنا لا نفكر فى أى شىء لا يجلب لنا «مصلحة» فغاب كل شىء وغابت المصلحة أيضا، أقصينا كل شىء جميل، وتعاملنا مع أطفالنا باعتبارهم كما مهملا، فكان طبيعيا أن يقل الانتماء وأن تشع الكآبة وأن يحدثك ابنك بلسان غير لسانه، ومفاهيم غير مفاهيمه، وكلمات ليست كلماته.
ما الذى يعنيه هذا؟ يعنى أننا مطالبون الآن بأن نمنح أطفالنا حق العودة إلى الحياة مرة أخرى، فيجب على المحليات أن تضع الأطفال فى حسبانها، كما يجب على شركات الإعلانات أن تعيد النظر فى تصميمات إعلاناتها، كما يجب على وزارة الصحة أن تكثر من إعلاناتها الموجهة للأطفال التى تستخدم فيها الرسوم الكارتونية والإشارات التعليمية، كما يجب على وزارة الداخلية أيضا أن تعيد تصميم بعض إعلاناتها المخصصة للتوعية المرورية بما يتناسب مع ثقافة الأطفال ليتعلم الأطفال من صغرهم كل ما يلزمهم من آداب المرور، فكل طفل نعلمه اليوم نكسب به الغد، وكل رسمة نزرعها فى عيون أبنائنا اليوم نكسب بها انتماء إلى وطن لن يضره شىء إذا ما انتمى إليه أبناؤه.