لا يستطيع الانسان أن يعيش دون أن يتواصل اجتماعياً وكلما اتسعت دائرة تواصله الاجتماعى مع الناس كان أفضل له ولهم ولا يرجع هذا فقط لاحتياج الإنسان الدائم لمساعدة الآخرين، ولأنه لابد لنا فى منظومة العمل من التعاون، مع بعضنا البعض فى فريق مجتمعى متكامل يكون لكلٍ فيه دوره الذى يؤديه، ولذلك وكما أشار ابن خلدون فى مقدمته؛ جبل الإنسان على أن يعيش فى مجتمعات ذلك لأن الفرد لا ينتج وحده، ولكن ترجع أهمية هذا التواصل أيضاً لأسباب أخرى لا تقل أهمية عن الحاجة للتكامل الوظيفى والانتاجى وتبادل الخدمات، ولذلك ولانه لصدقٌ مقولة أن "معرفة الناس كنوز" ، فقد اجمعت الآراء على أن التواصل بين البشر فكرياً من دواعى التقدم والتطور والحركة ولذلك اجتهدوا فى تطوير وسائل التواصل والاتصال وأقيمت المنتديات والمؤتمرات والمجالس النيابية ، لمتابعة التطور الذى يحدث فى أنحاء العالم كى يظل الإنسان فى سباق مع الزمن للحاق بقطار العصر وإلا أصابه الجمود والتخلف ، ويبات يعقد المقارنات التى تلهب حماسته وتدفعه للتنافس دفعاً وتحفذه على الإجتهاد والاجادة تحفيذاً .
يساعد التواصل مع الناس أيضاً على تبادل الاخبار والمعلومات ، الآراء والخبرات والنقد ومناقشة المشاكل مما يهيئ للحل وتحسين الأداء .
اختلفت طرق ووسائل التواصل بين الناس والمجتمعات وتطورت بتطور العصر والعلم والاكتشافات . ومن الطرائف التاريخية نذكر أنه أول ما عرفت بلادنا مشروب القهوة فى أوائل القرن السابع عشر صدرت فتوى من رجال الدين؛ بإيعاز من السلطان العثمانى ؛ بتحريمه ؛ وجدير بالذكر أن عدوى تناول هذا المشروب اللذيذ انتقلت إلى أوروبا عن طريق المصريين الذين كانوا أول من أقاموا فى بلادهم أماكن خصيصاً لتقديم القهوة للزبائن على هيئة مشروب ساخن نظير أجر؛ حملت تلك الأماكن اسم المشروب نفسه "القهوة" أو "المقهى" منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا وحملت نفس الاسم فى كل لغات العالم ؛ وكان لملوك أوروبا من مشروب القهوة نفس موقف السلطان العثمانى من حيث تحريمها ومنعها فى بداية ظهورها وانتشارها لأنهم لاحظوا ما كان سبق ولاحظه الأول من فعل القهوة وقدرتها على تجميع الناس وتشجيعهم على الالتقاء وما يحدث من التقارب هذا غير ما تفعله من تنبيه للذهن وتنشيط للبدن فتساعدهم على الاستمتاع بالدردشة والنقاش فى نفس الوقت الذى يستمتعون فيه باحتساء هذا المشروب فطالت فترات مكوث الناس سويا واجتماعاتهم خارج المنازل فى ملتقياتهم تلك ! مما ازعج الملوك وخصوصاً لما صاحب هذه الحلقات من ارتفاع فى وتيرة الصوت واحتداد نبرته مع سخونة المناقشات التى تطرقت للشؤون العامة للدولة وللناس ، وتَزايدَ السخط العام والإعتراضات على ممارسات الملوك والحكام وتناسب ذلك طردياً مع الاقبال على هذه المقاهى حتى ذهب المحللون السياسيون والتاريخيون لأن المصريين بقهوتهم تلك كانوا سببا من أسباب قيام الثورة الفرنسية وأن ربما يكون هذا ما دفع نابليون للقيام بحملته على مصر .
ومع تقدم العلم توسعت وسائل التواصل وتنوعت وأصبحت تربط بين جميع أنحاء العالم وتنقل الخبر صوت وصورة وفى غاية السرعة فجعلت من العالم قرية صغيرة ومكتبة كبيرة وبرلمانا يعقد فى كل ثانية وقاربت بين الناس وقربت المسافات وأصبحت منبراً عالمياً يساوى برلمانات العالم مجتمعة .
* أستاذ بطب قصر العينى .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة