كشف الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامى عن الأسباب والدوافع وراء إلزام الإسلام للمرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها بـ "شهور العدة"، حتى تبرأ من الحمل، على الرغم من التوصل إلى وسائل لم تكن موجودة فى السابق تساعد على التعرف ما إذا كانت المرأة حاملاً من عدمه، مشدداً على أن ذلك له فؤائد عدة أبرزها عدم اختلاط الانساب.
وقال خالد فى الحلقة الرابعة عشر من برنامجه "بالحرف الواحد" – الذى يربط بين الدين والعلم والحياة كمثلث متكامل - إن القرآن حدد عدة المرأة المطلقة فى الآية: "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ"، مشددًا على أنه لا يجوز الاستعاضة عن ذلك بأية وسائل أخرى تثبت براءة الرحم من الحمل من عدمه، كبديل عن إلزامها بشهور العدة، مضيفاً أن اختبارات الحمل التى ترجع بداية اكتشافها فى عام 1930 لا تستطيع أن تحسم الأمر بشكل يقيني، وبما ينفى أى شبهات حول احتمالية حدوث الحمل من عدمه، على ضوء ما أظهرته دراسات علمية حديثة من أنه ما بين 20 إلى 30 % فى المائة من السيدات فى العالم ينزل منهن دم يشبه دم الحيض فى أول ثلاثة شهور من الحمل، ويعتقدن على غير الحقيقة أنهن لسن حوامل.
واستشهد الداعية الإسلامى بما قالته "مونيكا هالي" أخصائية التشخيص بأشعة الموجات فوق الصوتية، وصاحبة موقع (pregnancy chat) فى مقطع فيديو على صفحة (Pregnancy chat)، وعلى موقع الحكومة الأمريكية (American Pregnancy Association). من أن ما يقرب من ربع سيدات العالم ينزل منهن دم مشابه لدم الحيض، لدرجة تجعلهن يعتقدن أنهن لسن حوامل، لكنهن فى الحقيقة حوامل، معرباً عن ثقته فى حدوث ذلك كثيرًا قبل ظهور اختبارات الحمل فى سنة 1930، ما دفعه للتساؤل: كم تتوقع عدد الآباء فى دول الغرب الذين قاموا بتربية أبناء ليسوا من أصلابهم قبل سنة 1930 دون أن يعلموا ذلك؟، مشددًا فى المقابل على أن القرآن حافظ على أنسابنا من الاختلاط، بفضل الالتزام بالمدة المحدد للعدة: "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ".
وتابع: "حتى ما بعد ظهور اختبارات الحمل، فإن الأمر ليس محسومًا على الإطلاق، ماذا لو فشلت كل اختبارات الحمل فى إثبات الحمل خلال الشهور الأولى لدى بعض السيدات؟، سواء باستخدام تحليل البول والدم و"السونار"، وماذا لو لم يتمكن الطبيب بكل أدواته من تشخيص الحمل خلال الشهور الأولى؟، إنها الحالة الطبية الشهيرة جدًا بالخارج (Late Recognition of Pregnancy )، أو التعرف المتأخر، أو الاسم الأكثر شهرة عالميًا وهو الحمل الخفى أو الحمل الشبحى أو (cryptic pregnancy!!)".
وأوضح "خالد" أنه "يتم اكتشاف الحمل متأخرًا فى هذا النوع من الحمل، نظرًا لأن المرأة الحامل ينزل منها دم مثل دم الحيض بالضبط، ويخرج معه هرمون الحمل الذى ينتجه الجنين المسمى بـ HCG، وبالتالى لا يمكن تحديد هرمون الحمل HCG فى البول أو الدم، والموجات فوق الصوتية "السونار"، لا تستطيع كشف هذا النوع من الحمل أيضًا، لأن الرحم خلاله يكون مائلًا للخلف تجاه عظام الحوض على عكس المعتاد، ويسمى الرحم فى هذا النوع من الحمل بـ (tipped or tilted uterus)".
وقال إن "هذه المسألة ليست نادرة الحدوث، بل أصبحت حديث الساعة فى علم أمراض النساء بالولايات المتحدة، إذ يحذر الأطباء من مخاطر وأضرار التعرف المتأخر على الحمل، لأن الأم التى لا تستطيع التعرف على أنها حامل إلا فى وقت متأخر قد تعرض حياة الجنين وحياتها للخطر إذا لم تأخذ الفيتامينات اللازمة لهذه الشهور الأولى من الحمل".
وعلق على ذلك بالقول: هل فهمت الآن معنى الآية "وَيَعْلَمُ مَا فِى الأَرْحَامِ"، فلا أحد يمكنه التوصل بكل الطرف المتاحة إلى اكتشافه، مشيرًا إلى نتائج دراسة ألمانية أظهرت أن "ذلك يحدث مرة كل 475 حالة، وهى نسبة أعلى من احتمالات حدوث مرض انحلال الدم الوليديrhesus hemolytic) disease) والتى تقدر احتمالية حدوثه بحالة كل ألف حالة، وأعلى أيضًا من احتمالات حدوث انفجار الرحم الذى تقدر احتمالية حدوثه بحالة كل ألف وخمسمائة حالة".
ولفت خالد إلى أن "هناك دراسة استرالية تقدر إن معدل حدوث حالات التعرف المتأخر على الحمل هى حالة كل 400 حالة، ودراسة أمريكية أخرى تقول إن المعدل حالة كل 516 حالة، كما جاء فى بحث نشرته الدكتورة "أنجيلينا جينكينز" وفريقها البحثى فى يوليو 2011 تحت عنوان "إنكار الحمل" بمجلة (journal of the royal society of medicine)".
وقال إن "هذا هو ما يحتم على المرأة المطلقة، أو التى توفى زوجها، الانتظار حتى انتهاء شهور العدة التى حددها القرآن، لما لذلك من آثار اجتماعية ونفسية خطيرة، والمؤكد أنه سيتم وضع قانونًا عالميًا لا محالة، لأن العلم فقط هو صاحب الكلمة الأخيرة".
وفى إجابته على التساؤل: لماذا المرأة التى توقف لديها دم الحيض، يتم أيضًا إلزامها بالانتظار ثلاث شهور للعدة كما جاء فى القرآن: "وَاللَّائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُر"، على الرغم من استبعاد حملها، استشهد بما قاله العلم من أن "المرأة عندما تكبر فى السن وتعتقد أنها فى سن اليأس تشعر بأنها فى حالة انقطاع عن الدورة الشهرية وأنها بذلك لا يمكن أن تحمل وتنجب، لأنه بلا دورة شهرية لا يوجد تبويض، وبلا تبويض لا تكون بالطبع هناك أى احتمالية للحمل".
وأشار الداعية الإسلامى، إلى أن العلم أثبت أن "هناك فترة مرحلية قبل ذلك تسمى (perimenopause) ومعناها بالعربية: "ما حول مرحله سن اليأس"، تشعر المرأة خلالها أنها فى حالة انقطاع كامل عن الدورة الشهرية، وفى حالة انقطاع عن التبويض وبذلك لا يمكن أن تحمل وتنجب، لكن فى الحقيقة ليس هذا صحيحًا، إذ من الممكن جدًا أن تحمل وتنجب، وهناك حالات مثبتة بالفعل؛ ولذلك وجب عليها أن تنتظر فترة العدة أيضا مثلها مثل غيرها، وتقدر بثلاثة شهور للأسباب نفسها التى ذكرناها سابقًا".
وعلق خالد على الآية القرآنية: "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"، أى 130 يومًا، قائلاً إنها دقة شديدة تستدعى التفكر والتدبر من العالم المسلم والطبيب المسلم والفيلسوف المسلم.
واستعان "خالد" بفكرة فيلم "الورثة" بطولة عزت العلايلي، حسين فهمي، مديحة كامل، لتبسيط الفكرة، "فعندما علم حسين فهمى بحمل مديحة كامل أرملة أخيه عزت العلايلى حاول بشتى الطرق أن يجهضها؛ خوفًا من أن تلد ولدًا يشاركه فى الميراث، تارة يأخذها بجواره فى السيارة ويسير بسرعة جنونية فى مرتفعات ومنخفضات وكأنه لا يقصد ذلك، وتارة أخرى يدفعها للسقوط دون أن تدرى من على السلم، وتارة أخرى يضع لها حبوب الإجهاض فى عصير الليمون دون أن تدرى، إلى أن تمكن بالفعل من أن يجهضها، دون أن تعرف من فعل بها ذلك ومن يتحمل المسئولية القانونية حيال ذلك".
وتابع شارحًا: "لو كانت بطلة الفيلم أخفت حملها إلا عن أقرب الناس إليها، وحافظت على نفسها فى مكان آمن لمدة 130 يومًا، لم يكن يستطيع أحد أن يجهضها بإحدى الطرق السهلة؛ لأنه لا يمكن أن يسقط الجنين وقتها بهذه الأفعال البسيطة".
ودلل فى هذا السياق أيضًا بكتاب بعنوان "البيولوجيا الوعائية الدموية للمشيمة" (vascular biology of placenta) للعالمين يوبنج وانج وشوانج زاو لسنة 2010 وكتاب العالمة ديتيرا لودرميلك وفريقها البحثى بعنوان "الأمومة وصحة المرأة" (maternity and women health care) لسنة 2014، إذ أنهم "جميعهم اتفقوا على أنه عند 130 يومًا بعد الحمل نستطيع أن نقول إن الحمل ناجح؛ لأن الجنين بذلك يكون قد ثبت فى بطانة الرحم وأصبحت المشيمة هى المسئولة عن إفراز هرمون الاستروجين وهرمون البروجسترون".
ولفت إلى ما قاله العالم "فيليب ستير" وفريقه البحثى فى كتابه بعنوان "أمراض القلب والحمل" فى 2006، حول أنه "بعد 130 من بداية الحمل تكون الأوعية الدموية التى تخرج من الكيس الجنينى قد وصلت إلى الجدار العضلى للرحم فى عملية أسماها (vascular invasion )، بمعنى أن الإجهاض سيكون صعبًا وقتها، ويتطلب جراحة ويومين قبل العملية وأسبوع بعدها".
وذكر خالد أنه "حتى فى الدول المتقدمة، كثيرًا ما لا ترغب الزوجة المطلقة أن يرث ابن صاحبة طليقها ميراث طليقها بعد مماته مشاركة مع أولادها، والإحصائيات تصدر أن ما يقرب من 80 ألف جنين أو أكتر يموتون كل عام بسبب حالات الإجهاض الجنائي، بينما القران الكريم بهذه الآية الجميلة حافظ على حق طفل فى الحياة، فلماذا لا يضاف قانون كهذا إلى قوانين "حقوق الإنسان"؟ـ مؤكدا أن قانونًا كهذا سيصدر يوما، لأن العلم فقط هو صاحب الكلمة الأخيرة".
وفى سياق رده على السؤال: تنتظر الأرملة "أربعة أشهر وعشرا" إذا ثبت أنها حامل، لكن ماذا عليها أن تظل المدة نفسها إذا لم تكن حاملاً؟، أجاب: "المسألة ببساطة من خلال الفيلم المشار إليه "الورثة"، ماذا لو كانت الأرملة مديحة كامل هى من تريد التخلص من جنينها إرضاءً لحسين فهمى الذى سيكون زوجها الجديد، الذى لا يريد أن يشاركه أحد فى الميراث، ويريد أن يبدأ حياة جديدة مع أرملة شقيقه التى ستكون زوجته بالمستقبل دون أن يلتزم بتربية ابن ليس من صلبه؟".
إذن قال إنه "فى هذه الحالة تكون نية التخلص من الجنين مبيتة لديها، فإذا سألتها بعد وفاة زوجها هل أنت حامل؟ ستكون إجابتها بالطبع كذبًا: لا، ثم بعد ذلك تجهض الجنين قبل 130 يومًا، دون أن يلحظ أحد أى شيء؛ لأن الأمر لا يستغرق سوى دقائق معدودة ولا تحتاج المرأة لفترة نقاهة، لكن إذا حافظت على نفسها فى مكان آمن مثل بيتها أو بيت والدها لمدة 130 يومًا ولا تخرج إلا فى أضيق الحدود وللضرورة فقط.. أى تطبيق الحداد الإسلامى بالحرف الواحد، فلن تختلط بمن يحثها ويدفعها ويساعدها على ذلك".
ووصف خالد هذه الآية بأنها "قانون"، لأنه "إذا كانت المرأة الأرملة "حامل" فعليها ألا تخرج إلى حياتها العملية إلا بعد انقضاء "أربعة أشهر وعشرًا"، حتى لا تكون فريسة وضحية لشياطين الإنس، وإذا قالت إنها "ليست حامل"، وهذا لا يعنى أنها صادقة وعليها أيضًا ألا تخرج إلا بعد انقضاء المدة المذكورة ليس تضييقًا عليها، بقدر أن ما فى رحمها ليس ملكية خاصة لها، وإنما يشاركها فيه رجل توفي، ومن حقه بعد وفاته أن يولد ابنه فى سلام ويرثه.. بالتأكيد ستسن الدول قانونًا كهذا يومًا ما عما قريب لا محالة؛ لأن العلم فقط هو صاحب الكلمة الأخيرة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة