بدا الأمر مفاجأة للبعض.. مشاهد المصريين يتزاحمون على لجان الانتخابات بالخارج للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية، زحام وطوابير فى الدول العربية والأوروبية التى تضم جالية مصرية كبيرة، وحرص من اتجاهات وأعمار مختلفة للإدلاء بالصوت، وهذا التنوع فى الأعمار والوضع الاجتماعى، بين شباب وكهول وشيوخ، ينفى فكرة التقسيم القسرى إلى أجيال أو مستويات اجتماعية وتعليمية.
الإقبال الكثيف فى الخارج ربما يكون مؤشرا على التصويت فى الداخل، هؤلاء الذين خرجوا بالرغم من البرد والمطر أو قطعوا مسافات ليدلوا بأصواتهم، فعلوا ذلك اختيارا وهو ما يكشف عن القاعدة العريضة التى تمثل والأغلبية بعيدا عن الاستقطاب والادعاءات التى بلا أساس عما يجرى.
بالطبع فإن هناك قطاعا لم يكن يتوقع هذا الحضور الكثيف، وانخرط هؤلاء فى هذه التحليلات بناء على معطيات وهمية، وهذا التنوع للمصريين فى الخارج يعكس بدرجة ما التنوع فى الداخل، وهؤلاء بالطبع الذين يعيشون فى أوروبا يدركون حجم التعقيد الجارى ويشاركون فى العملية السياسية ويرون أن الإدلاء بالصوت مهم لتحديد المواقف واختيار ما يرون الأصلح. ولهذا فشلت الدعايات التى حاولت أثناء المصريين عن التصويت، بدعاوى أن النتائج محسومة أو الرغبة فى تقديم صورة ضعيفة لصناعة السياسة.أما فى الخليج أو دول آسيا وأفريقيا وأوروبا فمن يعيشون هناك يدركون حجم التعقيدات الإقليمية والدولية، وربما يراهنون على أن ما يصوتون من أجله يصب لصالح المستقبل.
لقد قطع المصريون فى الخارج شوطا طويلا لينتزعوا حقهم فى التصويت والمشاركة، وأصبح لهم ممثلين فى مجلس النواب، واليوم يمكنهم أن يتناقشوا حول السياسات الاقتصادية، ويشاهدوا حجم العمل فى الطرق والعاصمة والنقل وعلاج الفيروس الكبدى وخطوات لإعادة بناء الدولة خطوة وراء أخرى، ومثلما كان حق التصويت مطلبا للمصريين بالخارج، فإن سبع سنوات من الجدل كانت كافية ليدرك المتابعون أن عملية البناء صعب، ويمكن الاختلاف والاتفاق على التفاصيل والأولويات، لكن لايمكن الاختلاف على أن هناك الكثير تحتاجه مصر لتصل إلى الطريق المستقل وتمتلك قدراتها كاملة.
هناك أصوات متطرفة فى التأييد، وأيضا فى المعارضة، وبين هؤلاء وأولئك أغلبية واسعة من المواطنين الذين يغضبون ويشعرون بتأثيرات القرارات الاقتصادية، لكنهم أيضا لا يمكنهم إنكار أن هذه الصعوبات تتزامن وتتوازى من تحرك لإزالة عشوائيات مزمنة، استبدالها بمجتمعات أكثر إنسانية، وإسكان اجتماعى، والقضاء على فيروس الكبد الذى مثل أخطر تهديد لصحة المصريين وأمنهم طوال عشرين عاما.
ولا يمكن تجاهل حجم بطولات الجيش والشرطة فى مواجهة الإرهاب الذى دمر دول وفكك أمم، وظل الإرهاب محصورا فى زوايا، بالرغم مما تلقاته التنظيمات الإرهابية من دعم ضخم تمويلا وتسليحا، وتقترب العملية سيناء 2018 من أنهاء الإرهاب، لتبدأ أكبر عملية لبناء مجتمعات فى سيناء، بموازاة مجتمعات أخرى فى الغرب، بعد إنجاز الإنفاق التى ربطت سيناء بشكل دائم يسمح بالتوسع فى التنمية الصناعية والزراعية، بعد سنوات ظلت فارغة ومجالا لنمو الإرهاب.
كل هذه التفاصيل بالطبع تشغل بال المصريين وهم ينظرون للمستقبل، ويعبرون على الغضب أو الإحباط، ليراهنوا على مستقبل يمكنهم فيه أن يجنوا ثمار تحملهم، وربما لهذا يقدم المصريين دائما ما يشير إلى وعى يتجاوز العزلة إلى المشاركة، وبالطبع هناك رهانات على توسيع المجال العام والبدء فى بناء التعليم والصحة ومواجهة المخالفات وإصلاح المحليات وثورة إدارية تتناسب مع دولة حديثة قوية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة