ممارسة الرياضة والوعى الصحى وتنمية القدرات الذهنية أبرز الحلول لمواجهة "الشيخوخة"
هل صادفك يوم كلمة "التعمر"؟، هل تعرف ما معناها؟ وإذا كنت تعلم المعنى؟، هل تعلم كيف يمكن تأخر الوصول إلى هذه المرحلة؟، بالرغم من أن كلمة "التعمر" تعنى التقدم فى السن، والآن بعد قراءة هذا المعنى الذى تشير إليه الكلمة، تسأل وهل يمكن لأحد أن يؤخر نفسه فى التقدم فى العمر! وألا يصل لمرحلة العجز والشيخوخة!! بالطبع لا، فهى مرحلة بالتأكيد قادمة، وبالرغم من حتمية الوصول لتلك المرحلة، إلا أنه بالفعل يوجد حلول لتأخير الوصول لـ"الشيخوخة" تستعرضها السطور التالية.
70 عاماً متوسط عمر المصريين.. وكوريا الجوبية الأعلى عالمياً بـ90 عاماً
لا يوجد عمر محدد تبدأ من عنده كلمة "مسن"، ولكن فى الغالب تطلق على كل من أتم 60 عاماً فأكثر، ووفقاً للمعدلات العالمية يبلغ متوسط أعمار البشر 71 عاماً، وفى مصر ووفقاً لأحدث البيانات المعلنة من قبل جهاز الإحصاء، يبلغ متوسط عمر المصريين 70 عاماً، وبالرغم من أن متوسط الأعمار فى مصر ينخفض قليلاً عن المعدل العالمى، إلا أن المصريين يعدوا "شعب عمره قصير"، مقارنة بدول أخرى، يصل متوسط العمر بها 90 عاماً.
لماذا نحن شعب "عمره قصير"؟، وهل هناك حلول لذلك؟، وما هى الدول الأكثر عمراً منا ولماذا؟، الدكتورة سامية عبد الرحمن، استاذ مساعد طب وصحة المسنين وعلوم الأعمار بكلية الطب جامعة عين شمس، تجيب على التساؤل الأول، إذ قالت إن قِصر عمر المصريين يتوقف على 3 أسباب، أولها، الجينات والموروثات وهى فطرة ليس لنا دخل بها، والسبب الثانى، العادات الصحية الخاطئة التى يمارسها أغلب الشعب، كالتدخين وعدم ممارسة الرياضة، وعدم تناول أغذية صحية.
السمنة والتلوث البيئى أبرز أسباب "قصر عمر المصريين"
بالإضافة لأمراض مزمنة يعانى منها معظم المصريين بسبب العادات الخاطئة، كالسمنة، وارتفاع كوليسترول الدم، وغيرها من الأمراض التى تتسبب بها الأنظمة الغذائية غير السليمة والمليئة بالدهون ولا تحتوى على فائدة غذائية، أما السبب الثالث، فيتمثل فى التلوث البيئى والمحيط فى دولتنا بكل شئ كالمياه والهواء والخضروات والفاكهة، أى أنه إذا أراد المواطن تناول أغذية سليمة، تكون ملوثة بسبب البيئة والمبيدات الكيماوية.
وأكدت سامية عبد الرحمن لـ"اليوم السابع"، أن انعدام ثقافة الكشف المبكر وعدم الذهاب للطبيب إلا فى مراحل متأخرة من المرض، تعد سببا هاما أيضا فى قصر عمر المصريين، هذا بجانب الظروف الاقتصادية للكثير، حيث إن نسبة كبيرة من الشعب المصرى غير مشترك أو مستفيد من خدمات التأمين الصحى وهذا ما يزيد من انتشار وتوغل فكرة "عدم الذهاب للطبيب إلا فى حالات متأخرة"، خاصة فى الريف والقرى الفقيرة التى تعانى من مشاكل مادية واقتصادية.
وأضافت: "انتشار مبدأ تناول المسكنات أيضاً فى معظم حالات المرض، من الأفكار الخاطئة الشائعة والتى تدخل ضمن أسباب قصر العمر لدى المصريين"، لافتة إلى ثقافة الكشف الدورى، فهى ثقافة شبه غائبة فى المجتمع المصرى، كما أن معظم المصريين لا يلجأون للطبيب إلا بعد تأخر الحالات، مضيفة:"ما بالك بفكرة الكشف الدورى"، فيما أشارت الدكتورة سامية عبد الرحمن، إلى أنه يمكن تحسين هذه الأوضاع ورفع متوسط الأعمار، من خلال الوعى الصحى والرياضى حتى فى ظل وجود الجينات والموروثات.
الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، كشف فى أحدث رصد له حول التوزيع النسبى لسكان مصر وفقاً للسن، أن من هم فى الفئة العمرية 75 عاماً فأكثر، لا يشكلون سوى نسبة 1% من إجمالى السكان، بحسب تقديرات مطلع عام 2018، والذى سجل عدد السكان به "96.277 مليون نسمة"، أما من هم فى الفئة العمرية من 70-74 عاماً فتبلغ نسبتهم 1.1% من جملة السكان، و1.8% هى نسبة من فى الفئة العمرية من 65-69 عاما.
وابتداءاً من الفئة العمرية 60-64 عاما، والتى تشكل نسبة 2.8% من جملة السكان، وحتى 75 عاماً فأكثر، تعتبر الأقل نسبة من جملة السكان، وكلما ارتفع السن كلما قل عددهم وانخفضت نسبتهم من العدد الإجمالى لسكان مصر، وهذا إن دل على شئ فهو يدل على قصر عمر المصريين وأن الشعب المصرى غير معمر، فمن يعيش منهم أكثر من 75 عاما عدد منخفض.
وبالنظر للإحصاءات الرسمية والمؤشرات العالمية، نجد أن الدول العربية وفى مقدمتها مصر، متأخرة كثيراً فى تصنيف الدول التى يعيش سكانها أعمارا طويلة يصل متوسطها لـ90 عاما، كما هو الحال فى كوريا الجنوبية، والتى تعد وفقاً لمؤشر السعادة العالمى عام 2017 الدولة الأعلى فى متوسط عمر السكان على الإطلاق، وتعود الأسباب فى ذلك حسبما أعلنها المؤشر إلى اقتصاد كوريا الجنوبية القوى والمتنامى، إضافة إلى الرعاية الصحية الفائقة، كذلك اتباع مواطنيها أنظمة غذائية غنية بالأطعمة المخمرة التى تخفض مستويات الكولسترول وتعزز المناعة.
وفى المرتبة الثانية، جاءت هونج كونج، والتى بلغ متوسط العمر بها 84 عاماً، حيث لاحظ العديد من المجلات الطبية أن التقاليد هناك وانخراط الناس فى التدرب على فنون الدفاع عن النفس غير القتالية، ساعدتهم كثيرا على أن يبقوا نشيطين وبصحة جيدة حتى فى سن الشيخوخة، كما أن اعتمادهم أسلوب طهى الطعام فى الغالب على البخار واعتيادهم شرب الشاى الأخضر يساهمان فى الإبقاء على نظام غذائى متوازن.
أما اليابان، والتى نطلق عليها نحن كمجتمع عربى اسم "كوكب اليابان"، فقد احتلت المركز الثالث ضمن قائمة الدول المرتفع متوسط أعمارها، وذلك بالرغم من ارتفاع عدد حالات الانتحار من قبل الإناث بها مؤخرا، إلى إنها لا تزال ضمن معدلات الأعمار المرتفعة نظرا لاتباع السكان بها أنظمة غذائية صحية، حيث يبلغ متوسط العمر باليابان 83.6 عاماً، كما تضمنت هذه القائمة دول عديدة أخرى أقل دولة منها يبلغ متوسط العمر بها 82 عام كالسويد وأيسلندا.
وجاءت دول سنغافورة وفرنسا واستراليا وإيطاليا وسويسرا وأسبانيا، ضمن الأعمار المرتفعة عالمياً أيضاً.
مصر خارج تصنيف متوسطات الأعمار المرتفعة والدول المزدهرة "صحياً"
لم تخرج مصر من هذا التصنيف فقط، والخاص بمتوسط الأعمار، ولكن خرجت أيضاً من تصنيفات أخرى ذو صلة بهذا الإطار، كتصنيف "مؤشر الإزدهار"، والذى يقيس مدى صحة سكان الدولة، وليس فقط الصحة الجسدية، بل الصحة النفسية والبنية الأساسية للنظام الصحى، ووجود الطب الوقائى أيضاً، وقد ضمت هذه القائمة عددا من الدول، مصر خارجها أيضاً، ومن هذه الدول والتى احتلت المركز الأول فى هذا المؤشر، لوكسمبورج والتى يصل متوسط العمر بها إلى 82 عاماً.
ووفقاً لقائمة الدول بمؤشر الازدهار العالمى، والذى يعد دراسة ترتب الدول الأكثر ازدهاراً فى العالم من الناحية الصحية، جاءت 15 دولة فى نتائج المؤشر الأخير، تمثلت هذه الدول فى "سنغافورة، سويسرا، اليابان، السويد، هولندا، هونج كونج، بلجيكا، نيوزيلندا، النرويج، فرنسا، أستراليا، المانيا، كندا"، وتتراوح متوسط أعمار سكان هذه الدول من 80- 84 عاماً.
البنك الدولى: 80% من كبار السن سيعيشون فى الدول النامية بحلول عام 2050
وفى عام 2016، نشر الموقع الإلكترونى للبنك الدولى تقريرا بعنوان "هل تستطيع البلدان النامية توسيع مظلة المعاشات التقاعدية للاستعداد لمواجهة مرحلة الشيخوخة"، أكد فيه أنه من المتوقع تضاعف نسبة من يبلغون سن الخامسة والستين فيما فوق على مستوى العالم من 10% إلى 20%، وذلك بحلول عام 2050، بما يعنى 80% من كبار السن، حوالى 1.3 مليار نسمة، سيعيشون فى بلدان منخفضة الدخل، والتى تعد مصر واحدة منها.
وأضاف التقرير، أن أنظمة معاشات التقاعد التقليدية المرتبطة بالعمل فى الدول النامية، لا تغطى معظم العاملين فى القطاع غير الرسمى، والذين يشكلون على عدد من الدول حوالى الثلثين أو أكثر من السكان فى سن العمل، لافتا إلى أن قاعدة بيانات البنك الدولى عن المعاشات التقاعدية تُظهر أن تغطية المعاشات، حتى بالنسبة للعاملين فى وظائف بالقطاع الرسمى، تتراجع منذ التسعينيات من القرن الماضى، من حيث عدد سنوات الاشتراك على مدى العمر، وهو ما يؤثر بشكل واضح على دخل التقاعد فيما بعد.
وأوضح أن العشر سنوات الأخيرة شهدت تغيرات مهمة فيما يخص المعاشات التقاعدية، منها إصلاحات لعشرات من البرامج غير المستدامة القائمة على استقطاع الاشتراكات من المنبع فى أوروبا ومناطق أخرى، وكذلك التوسع العالمى الملحوظ للمعاشات الاجتماعية، وهى تحويلات نقدية تدفع لكبار السن، مؤكدا أنه لا يوجد حل شامل يتصل بسياسة المعاشات التقاعدية يصلح لكل الدول.
ودعا القرير إلى استخدام تقنيات جديدة، مثل الانضمام التلقائى لبرامج المعاشات التقاعدية لزيادة المبالغ المُدخرة من أجل التقاعد، وهو النظام المطبق فى عدد من الدول منها نيوزيلندا والمملكة المتحدة، والتى انضم فيها أكثر من 4 ملايين شخص إلى البرنامج للمرة الأولى خلال السنوات الأربع الماضية، إضافة إلى تركيا، كذلك تعميم الخدمات المالية لتوسيع نطاق المعاشات التقاعدية، واستخدام آليات مبتكرة لتقنيات الخدمات المالية لتوسيع نطاق المدخرات ذات الآجال القصيرة والطويلة.
إدخار جزء من الدخل الشهرى قبل الراتب.. أحد حلول مواجهة "الشيخوخة"
كما دعا التقرير إلى حث الناس على إدخار جزء من دخولهم من أجل المعاشات التقاعدية، ضاربا المثل بدول الهند وكينيا والمكسيك، التى وضعت آليات تعتمد على جماعات المجتمعات المحلية لتجميع اشتراكات المعاشات من عمال القطاع غير الرسمى، واستخدام الهواتف المحمولة فى فتح حسابات ادخار لمعاشات التقاعد، والسماح باشتراكات إضافية فى حسابات ادخار المعاشات التقاعدية تتم من خلال ماكينات الصرف الآلى ومنافذ البيع بالتجزئة.
وكما أكد البنك الدولى أن مواجهة "الشيخوخة" أمراً له حلول، أكدت على ذلك أيضاً الدكتورة ولاء وسام استشارى وأستاذ مساعد طب المسنين بكلية الطب جامعة عين شمس، ولكن بحلول أخرى، تتمثل فى ضرورة اعتياد الفرد منذ الصغر على ممارسة الرياضة والأنشطة الذهنية حتى بشكل مبسط كحل الكلمات المتقاطعة ولعب "السودوكو"، هذا بالإضافة لتناول الأطعمة التى تحتوى على مواد مضادة للأكسدة، كتناول الشاى الأخضر.
هذا بجانب الاعتياد على تناول غذاء صحى كالخضروات والفاكهة والأسماك، فهناك الكثير من الدول التى يرتفع متوسط العمر بها يعتمد سكانها على تناول الأسماك بكثرة، مثل اليابان، لما بها من مواد مضادة للأكسدة ومنشطة للذهن والذاكرة، قائلة: "وقبل كل ذلك يجب الاهتمام بالرعاية الصحية من خلال الكشف الدورى وليس تركه لحالات الطوارئ فقط"، لافتة إلى أنه من الحلول التى تساعد على مواجهة الشيخوخة أيضاً، الاعتياد على أنشطة معينة كسماع الموسيقى، مشاهدة التلفاز، وغيرها.
وأوضحت الدكتورة ولاء وسام، أن الاستقرار النفسى والعائلى من خلال علاقات اجتماعية دافئة سواء داخل الأسرة أو خارجها، عامل هام يتوقف عليه تأخر الوصول لمرحلة الشيخوخة وأعراضها، فحتى فى حالة الوصول غليها، يجد المسن من يهتم به ويرعاه فى ظل هذه العلاقات الدافئة، حيث أكدت الدراسات أن كل من ينعم بهذه العلاقات يعيشون أكثر ممن لديهم عدم استقرار أسرى وعائلى ينعكس بالسلب على نفسيتهم وصحتهم.
وقبل أن توضح الحلول، أشارت الدكتورة ولاء وسام فى تصريحاتها لـ"اليوم السابع" إلى أسباب قصر عمر المصريين وانخفاض متوسط الأعمار بمصر عن المعدلات العالمية، حيث قالت: "فى الماضى كان متوسط عمر المصريين من 40-50 عام، ولكن مع تقدم الرعاية الصحية، ارتفع هذا المتوسط إلى 65-70 عام الآن، وهو ما يؤكد فكرة أن مواجهة الشيخوخة ورفع متوسط العمر أمر يمكن فعله، فهذا هو الحال فى الدول التى يرتفع بها متوسط العمر، نظراً لما تتمتع به من رعاية صحية متقدمة".
وأضافت "وسام" أن الدول المرتفع بها متوسط الأعمار، نجد مواطنيها معتادون على ممارسة الرياضة، وعدم التدخين وتطوير قدراتهم الذهنية من خلال ممارسة أنشطة كثيرة تعزز ذلك، هذا بالإضافة لثقافة الكشف الدورى والاهتمام بالعلاقات الاجتماعية، لكن فى مصر نفتقد كل هذه الأمور كثيراً، وهو ما يجعل متوسط العمر لدينا أقل بكثير من دول عديدة أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة