الرئيس السيسى الوحيد الذى لم تتغير كلماته عن الشعب رغم اختلاف المواقع والأحداث.. والشعب يؤمن بمن يؤمن به ويكفر بمن يمدحه إذا فاز ويذمه إن خسر
دون تجميل للصورة، وباستخدام إحداثيات ومعطيات راسخة فى واقع السنوات الماضية، أكاد أجزم أن الرئيس عبدالفتاح السيسى هو الوحيد الذى أجاد التعامل مع الشعب المصرى بخطاب لم تتغير دفته ولا مصطلحاته منذ اللحظة الأولى، لإطلالته فى ساحة المشهد السياسى.
لم يتغير الخطاب السياسى ولا الشعبى للرئيس السيسى منذ بدأ الحديث العلنى بعد 25 يناير 2011، هو من اللحظة الأولى يصيغ كلماته ببساطة شديدة تعرف متلقيها فى القرى والنجوع والشوارع المصرية، ولم تتغير تلك الصيغة ولا الرسالة رغم ماتعرض له الرئيس من انتقادات طالت أغلب كلماته وخطاباته الرسمية والإعلامية، باختصار كان واضحا أن الرئيس يعرف جمهوره جيدا.
على مدار السنوات الماضية تغيرت الرؤى والكلمات التى يستخدمها السياسيون ونجوم الساحة الحزبية والاقتصادية والفنية والدينية لمخاطبة ووصف الشعب المصرى، كان الإخوان ذات مرة يصفون الشعب بالعظيم، ثم عادت نفس الجماعة الإرهابية لتصف نفس الشعب بأنه خانع وعبد للبيادة، البرادعى ومجموعته طالما أسهبوا فى مديح الشعب وعظمته وقوته فى الانتفاض ضد الظلم، ثم هم أنفسهم البرادعى ومجموعته بتغير الأيام فى نتائج التقويم السنوى عادوا ليصفوا الشعب المصرى بالخاضع والسلبى والضعيف والمضحوك عليه.
حتى الشيوخ فعلوها، تكلموا فى غير ذات مرة عن المصريين بأنهم أهل تدين ودرع الدفاع عن المشروع الإسلامى، وحينما يختار المصريون غيرهم فى صناديق الانتخابات يخبرنا نفس الشيوخ بأن الشعب المصرى بعيد عن الدين ويكره المشروع الإسلامى.
أهل الاقتصاد وخبراؤه فعلوها أيضا انتقدوا النمط الاستهلاكى للمصريين، وأعابوا فى وعى المواطن المصرى بالتغيرات الاقتصادية، ثم عادوا مرة أخرى، حينما أثبت الشعب المصرى وعيا كبيرا وصبرا ضخما على الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، ومدحوا المصريين وتفهمهم لهذه الإجراءات الاقتصادية الموصوفة بالصعبة أو القاسية فى بعض الأحيان.
من هذا المنطلق يمكنك أن تفهم سر تذبذب شعبية القوى السياسية المختلفة تارة يلتف حولهم الناس، وتارة ينفضوا عنهم، وتلك هى النتيجة الحتمية لأن جموع المواطنين فى مصر خرجوا من شرنقة المفعول به وأدركوا أنهم الفاعل الرئيسى فى المعادلة الذى تنجح به الثورات ويصل عبر أصواته الحكام إلى كراسى السلطة، ومن هنا كان القرار الجمعى للمصريين بالابتعاد عن كل قوى سياسية أو رمز سياسى يمدحهم أو يذمهم حسب مصلحته أو وفق هواه، أدرك المصريون أن دعمهم والتفافهم هبة ومنحة لا يستحقها إلا من آمن بهم، ولم يتغير بفعل المصالح أو السنوات.
وحده السيسى لم تتغير رسالته ولم تتغير الصفات التى يستخدمها لصياغة الصورة التى يراها للشعب المصرى، دوما مايتحدث عن الشعب الموجود فى وقت الشدة، الواعى بما يدور، الجاهز للدفاع عن وطنه، ولم يخلُ حوار أو خطاب للرئيس فى الداخل والخارج من الإشادة بالشعب المصرى وقوته وتحمله وصبره على كل الإجراءات الصعبة، بخلاف التأكيد المستمر من الرئيس على انتقاء «نحن» من بين ضمائر المخاطب للحديث عن مايخص مصر سواء فى العسر أو اليسر.
من هنا يمكنك أن تفهم اللغز الذى يعجز الإخوان وبعض النشطاء عن إدراكه فيما يخص محبة الناس إلى الرئيس السيسى، ونصره بالحشد والتواجد كلما طلب ذلك، سواء فى مسألة التفويض لمحاربة الإرهاب، أو التبرع لصندوق تحيا مصر أو دعم شهادات قناة السويس، أو المشاركة فى الانتخابات الرئاسية الظاهرة نتائجها للجميع قبل أن تبدأ، ولكن الرئيس طالبهم بأن يرسلوا للعالم رسالة المشاركة والالتفاف ويردوا على صوت الإرهاب الذى حذرهم من المشاركة، فجاءت الصور الأولى من مشاركة المصريين فى الخارج أمام صناديق الاقتراع مؤكدة على أن هذا الرئيس الذى ينتقص البعض من شعبيته، ويشكك فيها مازال قادرا على حشد المصريين على كلمة سواء طالما هو قادر على مخاطبة الشعب المصرى بهذه الصيغة المشتركة على محبة هذا الوطن.
عودة إلى الوراء نرصد فيها كيف تغيرت كلمات التيارات السياسية والنشطاء فى وصف الشعب المصرى، ستدرك من خلالها أن أهل مصر يردون للسيسى جميله فى الإيمان بهم وثباته على موقفه منهم.
خلال السنوات الماضية وفى مناسبات سياسية مختلفة اعتاد الإخوان والنشطاء وبعض ممن يلقبون أنفسهم برموز المعارضة السخرية من اختيارات المصريين طالما لم تأتِ وفق هوى مصالحهم أو مصالح من يخدمونهم.
ارجع للخلف قليلا وتحديدا عن مشهد الانتخابات البرلمانية الماضية، وتذكر معى الشاعرة فاطمة ناعوت التى تقدم نفسها للسوق السياسية ككاتبة ومفكرة ليبرالية، وبدأت وقتها كمرشحة للانتخابات تتكلم مع الشعب المصرى بصفته الديمقراطى الواعى، وحينما فشلت فى الوصول إلى مجلس النواب تراجعت عن ماوصفت به المصريين وخرجت لتخبر الناس بأن الناخب المصرى بيتلعب بيه الكورة وغير مستعد للديمقراطية لأنه بيضحك عليه بالرشاوى، مؤسف جدا أن تتغير قناعات الشخص وفقا لمصلحة كسبها أو خسرها، ولم تكن تلك المرة الأولى ولا الأخيرة.
من واقع أحداث السنوات الماضية بات واضحا أن الإخوان والنشطاء وبعض السياسيين عندهم شعرة اسمها الشعب المصرى ساعة بتروح ويبقى الشعب غير مؤهل للديمقراطية وساعة بتيجى ويبقى شعب عظيم علم العالم فكرة الثورة والديمقراطية.
تذكر أنت معى الإخوانية الدكتورة باكينام الشرقاوى، مساعد رئيس الجمهورية السابق المعزول محمد مرسى التى كانت تخرج من رموز جماعة الإخوان تتغزل فى الشعب المصرى بعد ثورة 25 يناير وبعد اكتساح الإخوان الانتخابات البرلمانية وفوز مرسى بالرئاسة، كانت الدكتورة باكينام ومعها البلتاجى وهشام قنديل وغيرهم من قيادات الإخوان يقولون الشعر فى الشعب المصرى، وحينما انتفض المصريون ضد مرسى وانتقدوه خرجت باكينام الشرقاوى لتذم الشعب المصرى وتقول: «سبب المشاكل اللى بتحصل أن المواطن على جرعة زائدة من الديمقراطية».، وهو نفس المعنى الذى قاله هشام قنديل رئيس الوزراء السابق فى عهد الإخوان، حينما قال: مشكلة مصر أن الشعب لم يتعود على الديمقراطية فى مصر ويحتاج للوعى بذلك، وهو نفس المعنى الذى استخدمه خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة الإرهابية..
حينما سئل عن عدم تنفيذ مشروع النهضة؟، فقال: «المشكلة مش فينا، المشكلة إن تنفيذ المشروع يحتاج إلى شعب مؤهل وعنده وعى».
محمد البرادعى هو الآخر تلاعب بالمصريين مدحهم حينما كان المدح يخدم مصلحته وانتقدهم حينما اختار الشعب مالايخدم مصلحته، فخرج فى لقاء تليفزيونى على قناة دريم سنة 2012 بعد استفتاء التعديلات الدستورية والانتخابات البرلمانية، وقال إن %80 من الشعب المصرى غير جاهز للاقتراع ولا يمتلك وعى الانتخابات، المؤسف هنا أن الدكتور البرادعى نفسه كان أول الغاضبين من تصريحات عمر سليمان فى 2011، وقال بكل فخر وقتها: من يقل إن الشعب المصرى غير مؤهل للديمقراطية «هارميه من الشباك».
الأمر لم يقتصر على الإخوان أو النشطاء أو البرادعى أو حازم عبدالعظيم وغيرهم، الأمر امتد إلى الإعلاميين والمثقفين والمفكرين والفنانين، كانوا إذا خرج الشعب متظاهرا أو مصوتا لأمر يأتى على هوى مصالحهم قالوا إنه الشعب العظيم، أما لو خرج متظاهرا أو مصوتا على أمر عكس تيار مصالحهم قالوا إنه شعب غير مؤهل ولا يملك الوعى.
ملخص هذا التلاعب بعواطف الشعب المصرى أن التعب أصابه، أو بمعنى آخر الشعب غلب معاهم، مع الإخوان والليبراليين والنشطاء والسلفيين والمسؤولين والإعلاميين، المواطنون أصابهم القرف من تصنيفهم مدحا أو ذما وفقا لمصالح التيارات السياسية المختلفة لا مصلحة الوطن، وربما يفسر لك ذلك انصرافهم عن المشاركة وعن بعض هذه الرموز التى كانت تملأ السمع والأبصار، ويشرح لك إصرارهم على عدم خذلان الرئيس السيسى الذى لم تتغير رسالته فى مخاطبة المصريين خلال السنوات الماضية، قبل أن يكون الرئيس وبعد أن أصبح الرئيس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة