كنت فى إحدى المصالح الحكومية لقضاء حاجة ما، وما إن دخلت هذه المصلحة حتى لاحظت أن الأجواء المحيطة بى تختلف تماما عما عهدناه فى المصالح الحكومية، وبعد أن أوشكت على الانتهاء إتمام مهمتى سألت عن مدير هذا الفرع من المصلحة الحكومية، فاندهشت الموظفة التى لم تتركنى فى مهمتى منذ اللحظة الأولى دون أن تعرف من أنا أو تسأل عن واسطة أو توصية، فقد توارثنا أن السؤال عن «المدير» لا يكون إلا بسبب تقديم شكوى، لكن ربما أكون قد أدهشتها ثانية عندما توجهت إلى المدير بالشكر وليس الشكوى.
هذه المصلحة كانت شركة توزيع الكهرباء فرع الدقى، وقد حدث ذلك منذ أشهر بعيدة، لكنى تذكرت هذه الواقعة أمس الأول وأنا فى مطار القاهرة، فقد اضطررت إلى تغيير موعد ذهابى إلى الأقصر لحضور فعاليات حفل ختام عام «الأقصر عاصمة الثقافة العربية»، فتوجهت إلى المكتب المختص بذلك الأمر، وقابلتنى موظفة أخرى، مصرية حقيقية فى بشاشتها وروحها المنطلقة، وعزمت أن أتوجه إلى مديرتها بالشكر أيضا نظرا لما لمسته من إخلاص فى مساعدتى.
لكننى للأسف لم أتمكن من هذا لأنى ذهبت إلى أكثر من مكان داخل المطار بعد هذا ثم فوجئت فى نهاية المطاف بأننى خارج صالة 3 المخصصة للسفر، فندمت لأنى أجلت شكرها، وها أنا ذَا أحاول أن أتدارك الخطأ.
قديما قالوا «من لا ينتقد لا يعتقد»، وكأن انتقاد الشىء هو الدليل عن فحصه وتحليله، لكننى فى الحقيقة أدرك الآن أن الشكر أيضا فضيلة، ومن يحرم نفسه من التوجه بالشكر إلى مستحقيه لا يحق له أن يتوجه بالنقد إلى من يخالفونه، فالشكر فضيلة وإفشاؤها يكاد يكون واجبا تماما كالشكوى، فبالشكوى من المسىء نستطيع أن نغير وضعا فاسدا، وبشكر المحسن نستطيع أن ندعم الصواب، والحالتان من ضروريات العمل الإصلاحى فى أى مجتمع.