لم يسبق أن لعب الأزهر دورًا كبيرًا على الصعيد الدولى كهذا الذى يلعبه الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، اليوم، نحن أمام دائرة من التأثير تزداد اتساعًا يومًا بعد يوم سياسيًا وعلميًا واجتماعيًا وخيريًا، وأمام شيخ لهذه المؤسسة الإسلامية العريقة والرائدة عقد النية وجدد العزم ألا يترك الأزهر معزولًا بلا حركة، أو منطويًا بلا رؤية استراتيجية، أو محاصرًا بين كماشات السياسة والتحزب والاستقطاب والإعلام من جهة، والتطرف والتربص والتكفير والتشكيك من جهة أخرى.
الإمام الأكبر عبر حواجز متعددة، بثقة ومسار علمى مرتب، ليسترد للأزهر مكانته المستقلة، وحركته الحرة، وقواعده الفقهية المنزهة عن الغرض، ثم يسد ثغرات مهمة على الصعيد الدولى ضمن استراتيجيته لاستهداف بلدان محددة بأولويات إسلامية وعروبية وإنسانية، ووفق رؤية يبتغى من خلالها إعادة تمكين مؤسسة الأزهر من شغل مكانها الطبيعى المستحق على خريطة العالم، ومن منصة «الفعل والمبادرة» لا من ركن «رد الفعل الذى تصدمه الأزمات المتلاحقة».
اليوم تمر الذكرى الثامنة لتولى الدكتور الطيب هذا الموقع الأعرق والأهم والأسمى، ومن يتأمل السنوات الثمانى الماضية يدرك تمامًا كيف تفاعلت مشيخة الأزهر فى السنوات الأربع الأخيرة على نحو مختلف عن السنوات الأربع الأولى، كانت المشيخة فى السنوات الأخيرة أوسع تحركًا فى مختلف القطاعات، مرة فى مواجهة الفكر المتطرف، ومرة بالصلابة الدبلوماسية فى موقفها من القدس، وعقد مؤتمر دولى حاشد ضد قرار نقل السفارة، ورفضه استقبال نائب الرئيس الأمريكى مايك بينس يوم 20 ديسمبر الماضى بسبب القرار، ومرة أخرى بالموقف الرفيع إنسانيا ودينيا ودوليا إزاء قضية مسلمى الروهينجا فى ميانمار، فالأزهر تحرك بكامل طاقته ضد الاضطهاد المنهجى، الذى استهدف فقراء المسلمين فى هذا البلد، وتحركت قافلة أزهرية كاملة لمخيمات اللاجئين كان من المفترض أن يكون على رأسها الإمام الأكبر، لولا وقوع مأساة مسجد الروضة فى سيناء وحاجة المصريين لوجوده بينهم أيضًا فى هذه المحنة.
كان الأزهر الأكثر فهمًا لتحولات المنطقة، والأعلى وعيًا بأجواء الاستقطاب السياسى والمذهبى فى الإقليم، واستخدم سياسة بارعة الحكمة فى الحفاظ على تراثه الوسطى دون انزلاق إلى تخوين أو تورط فى صراع مذهبى أو انحياز حزبى أو سياسى، وتعرض فى سبيل ذلك لمشقة هائلة ورشق بالحجارة والكلمات من الذين تمنوا أن ينحاز الأزهر انحيازا كليا إلى معسكر يخدم أهدافا لا تتفق مع أهداف الأزهر وتعاليمه التاريخية.
كان الإمام الأكبر يفكر فى طبيعة الدور الذى يجب أن تلعبه هذه المؤسسة العريقة بقيادته فى زمن تحيطه الفتن من كل جانب.. وفى يقينى أنه انحاز لصحيح الدين برسالته الدعوية الخالصة، أكثر مما انحاز لجهة أو تيار أو حزب، أو خضوع لخطابات التعبئة الصارخة فى سنوات ما بعد يناير.
ثم كانت الرسالة الدعوية واضحة ومشرقة فى دبلوماسية الإمام الأكبر دوليا، زار دولا عديدة مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإندونيسيا ونيجيريا والسعودية والإمارات والبحرين والكويت والأردن والفاتيكان والشيشان وسويسرا، وكانت الأچندة فى كل زيارة دعوية بامتياز، وحضارية إنسانية بكل تفاصيلها وترتيباتها وكلماتها فى اللقاءات السياسية أو الإعلامية. كان الإمام يتكلم عن نشر السلام العالمى ومواجهة التطرف ونصرة القضايا الإنسانية العادلة، وهو ما أسهم فى استعادة صورة الإسلام الحقيقية فى ضمير العالم، بخلاف تلك الصورة القبيحة، التى تصدرها داعش وأخواتها بين الناس.
ولعمق هذه الرسالة الإنسانية فرض الأزهر نفسه بقوة غير مسبوقة على أجندة زوار القاهرة من الملوك والرؤساء وكبار المسؤولين فى العالم، فقد استقبل الملوك، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان، وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، وملك البحرين، وولى عهد الإمارات، واستقبل رؤساء دول عديدة مثل العراق ولبنان، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفلسطينى، ورؤساء عدد من الدول الأفريقية.
تحول الأزهر إلى قبلة لرسالة الإنسانية فى السلام والرخاء والتعاون بين الأمم والأديان السماوية.
فكر الإمام الأكبر واستراتيجيته الهادئة ودبلوماسيته الإنسانية تقف وراء كل ذلك، والنتيجة هى قوة للأزهر وللإسلام، وقوة حقيقية وفاعلة للقاهرة فى المحيط الإقليمى والدولى.
بالمناسبة الإمام الأكبر أنهى زيارة للبرتغال وتوجه بعدها لموريتانيا، وذكرى توليه الموقع تحل عليه وهو فى حالة العمل الخلاقة، التى أعادت للأزهر مجده الممتد وتاريخه الإنسانى الوسطى العريق.
كل سنة والأزهر بخير
وكل 8 سنين والإمام الأكبر بهذا العطاء والصحة
مصر من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة