أما الشاهد فهما صحيفتا «نيويورك تايمز» الأمريكية و«فايننشيال تايمز» البريطانية، وأقول أهلها لأننا نعرف ما يربط عدداً من كتاب الصحيفتين خاصة الصحيفة الأمريكية بالأموال القطرية، وفيما يتعلق بالموضوع فإنه مرتبط بكشف الصحيفتين حول الفدية الأسطورية القطرية للحشد الشعبى وجبهة النصرة، أحد أفرع تنظيم القاعدة الإرهابى، وجماعات إرهابية أخرى.
الصحيفتان تحدثتا طيلة الأيام الماضية عن ملف الفدية، التى دفعتها قطر لجماعات إرهابية مقابل الإفراج عن «رهائن» قطريين فى العراق وسوريا، وذلك فى تقرير موسع حمل العديد من الأسرار والكواليس عن تلك الاتفاقيات المشبوهة.
كما سلط الضوء على مثلث «قطر، إيران، الجماعات الإرهابية»، كاشفاً أن إمارة الإرهاب تمكنت من تحرير رهائن قطريين، تم اختطافهم أثناء قيامهم برحلة صيد صقور فى صحراء العراق قبل عام تقريبا، بعدما دفعت 770 مليون دولار للحشد الشعبى الشيعى، وهو ما اعتبرته الصحيفتان وفقاً لمصادرها الخاصة، يعكس بطبيعة الحال وجود اتصالات مفتوحة بين مسؤولى الدوحة والجماعات الإرهابية فى العراق.
وقالت الصحيفتان: إن الفدية التى دفعتها قطر لجماعات إرهابية، تمت من خلال محاولة الدوحة إدخال 360 مليون دولار فى حقائب سوداء عبر طيرانها إلى مطار بغداد، كما وثقتا الاتصالات القطرية مع الجماعات الإرهابية وتمويلها لهم بمئات الملايين من الدولارات التى ذهبت إلى الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله الإرهابى وجبهة النصرة، وأشارتا إلى أن قطر ذهبت إلى أبعد الحدود من أجل إطلاق سراح الرهائن، وذلك عبر موافقتها على خطة إيرانية تتضمن نقلاً قسرياً ومميتاً للسكان فى سوريا.
ولا ننسى أن الدوحة توسطت لدى جبهة النصرة لإطلاق سراح عدد من المختطفين اللبنانيين مقابل دفع فدية تحملتها الدوحة، التى جاءت فى إطار الدعم غير المباشر، الذى يقدمه تنظيم الحمدين للتنظيمات الإرهابية فى المنطقة، الذى أخذ أشكالاً مختلفة منها التدريب وإمدادهم بالسلاح والأموال أيضاً، فضلاً عن الدعم الإعلامى عبر الترويج لأفكار هذه التنظيمات من خلال قناة الجزيرة التى دائماً ما يختصها الإرهابيون بالفيديوهات الحصرية تنفيذاً لاتفاق سابق بين قيادات القناة وأعضاء التنظيمات الإرهابية بوساطة من المخابرات القطرية.
ما قالته الصحيفتان يؤكد الاتهامات الموثقة التى وجهها الرباعى العربى «مصر والسعودية والإمارات والبحرين» لإمارة الإرهاب، التى دأبت طيلة الفترة الماضية على التدخل فى الشؤون الداخلية لدول المنطقة، من خلال دفع الأموال للميليشيات الإرهابية والجماعات التى تدين بالولاء للأموال القطرية، وتحركها المخابرات القطرية بالتعاون مع المخابرات التركية والحرس الثورى الإيرانى.
وربما يكون تقرير نيويورك تايمز وفايننشيال تايمز دافعا للمجتمع الغربى ليكون أكثر اقتناعاً بما تقوم به الدوحة من أدوار تخريبية، ثبت باليقين أيضاً أن العواصم الغربية ليست ببعيد عنه، وقد شاهدنا الأصوات العاقلة فى فرنسا وبريطانيا التى تحذر من الخطر القطرى، الذى يعتمد على تمويل شخصيات وجماعات مرتبطة بتنظيمات إرهابية فى المنطقة.
نحن الآن أمام وقائع موثقة، لا يمكن للدوحة أن تنفيها فى ضوء تراكم الأدلة والقرائن، التى لم تقتصر فقط على ما يقدمه الرباعى العربى، بل إن الصحف الغربية المعروف عنها انحيازها لقطر يبدو أنها بدأت تدرك خطورة الموقف، وأن التمويل القطرى لبعض محرريها لا يجب ان يخفى الحقائق الواضحة للعيان، وهو ما يشير إلى أننا أمام تحول كبير وخطير فى الأزمة القطرية، وتنظيم الحمدين الذى يواجه مأزقا متمثلا فى إزاحة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وزير خارجيته ريكس تيلرسون، أكبر الداعمين لقطر من منصبه، فتيلرسون المرتبط فى الماضى بصفقات اقتصادية مع الدوحة كان له تأثير قوى فى توجيه دفة السياسة الأمريكية تجاه دعم النظام القطرى فى الأزمة الأخيرة، وحاول كثيراً الضغط على الرباعى العربى للقبول بوساطته من أجل التوصل إلى حل فى الغالب تخرج من خلاله قطر شبه منتصرة، لكن الآن الوضع أنقلب بعدما أزاح ترامب تيلرسون.
حينما قالت دول الرباعى العربى، وتحديداً مصر: إن دعم التطرّف والإرهاب هو محوّر الأزمة القطرية، ماطل البعض فى تصديق ذلك، رغم أن الحقائق والوقائع كلها كانت حاضرة وماثلة أمام الجميع، لكن الأموال القطرية أعمت البعض خاصة فى العواصم الغربية، لكن اليوم يبدو أن الوضع تغير، فالرباعى العربى ظل ثابتا على موقفه، رغم كل الضغوط، فضلاً عن أن المجتمع الدولى بدأ مرحلة الاستفاقة، التى تأخرت كثيراً، فوقائع الفساد القطرى باتت الهاجس الذى يؤرق كل العواصم والمؤسسات الغربية، وليس أمام الغرب إلا أن يعود للصواب، وأعتقد أن تقرير الصحيفتين ربما يكون جزءا من حالة الاستفاقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة