من واقع التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى عمومًا، وعالم «فيس بوك» و«تويتر» على وجه الخصوص،نكتشف حجم الازدواجية وتضارب الآراء لدى البعض، وكون هؤلاء يعلنون الرأى وعكسه أو يتعاطفون مع رأى ومع ضده. وهى ظاهرة أطلقت عليها «أنت مش أنت على فيس بوك» حيث تسود ظاهرة الأشخاص الذين يكتب الواحد منهم رأيا على «فيس بوك»، وفى الواقع يقول رأيا آخر، وهو أمر فى جزء منه يدخل أحيانًا فى سياق التأثر بالمجموع، وهى نظرية الجموع التى تحدث عنها جوستاف لوبون، فى دراسته «سيكولوجية الجماهير»، حيث إن الشخص ضمن مجموع ليس هو نفسه كفرد، وكون الفرد ضمن مجموع له مواصفات تختلف عن مواصفات كل فرد وحده.
من هنا يواجه البعض أزمات من هذا النوع عندما يكتب الشخص «بوست» سياسيًا أو اجتماعيًا، ويجد أن هناك عددًا كبيرًا من اللايكات، ويتصور أن كل هؤلاء يوافقونه الرأى وأنه على صواب، لكنه يكتشف أن نفس الذين وضعوا لايك على بوستاته وضعوا نفس اللايك أيضًا على بوستات معاكسة ومعارضة مع ما يكتبه. والبعض لايلاحظ ذلك مالم يكن حريصًا على المناقشة والجدل. ونفس الأمر فيما يتعلق باستطلاعات الرأى التى تكون بعضها مسيسة ويتضح خطأها، وأبرز مثال على ذلك الاستطلاعات التى سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأغلبها توقعت فوز هيلارى كلينتون بفوز مريح، ويومها اتهمت حملة ترامب مواقع التواصل بالانحياز لهيلارى والديمقراطيين، لكن النتائج جاءت على عكس التوقعات بشكل كبير وفاز ترامب، وانعكست الاتهامات، حيث اتهم الديمقراطيون المواقع بالتلاعب.
شخصيًا أعرف عددًا لابأس به من سكان «فيس بوك»، أجد الواحد منهم يوافق ويضع «لايك» على بوست سياسى، ثم يضع لايك على عكسه تمامًا، وهو أمر دفعنى لسؤال بعضهم عن السبب الذى يجعل الواحد يعجب برأيين متعارضين، وجاءت إجابته بالفعل صريحة وكاشفة. قال «مابحبش أزعل حد من أصدقائى على الفيس.. بيجاملونى وأجاملهم وقال إنه يرد اللايك بأحسن منها»، وإن الفيس هات وخد وشيلنى وأشيلك.
أعجبتنى صراحة محدثى وعدت لسؤاله: المجاملة تصلح مع الصور أو البوستات الاجتماعية أو المرض أو التهانى والتعازى، لكنك تعجب بالشىء وعكسه فى السياسة، أنت تحيى رأيًا معارضًا وتحيى آخر مؤيدًا، وتعلق على الاثنين، وتكتب كلامًا ثالثًا، وجاء رده أيضًا لافتًا، قال: فى السياسة آخد كل واحد على قد عقله، ومابحبش أزعل حد، لكنى بصراحة بتعجبنى حاجات وباتضايق من حاجات، وفيه موضوعات أفهم فيها وأخرى لا أعرف عنها، لكن على الإنترنت ماينفعش الواحد يبان إنه مش عارف. بل إنه ذكر عددًا من كبار المحللين على صفحات «فيس بوك»، وقال إنه يضع لهم لايك بالرغم من أن آراءهم تصيبه بالاكتئاب.
زميل آخر صارحنى بأنه فى كثير من الأحيان يفتح ويضع لايك على موضوعات لم يقرأها من باب المجاملة، واعترف لى أنه أحيانًا يضع لايك على بوست مضاد لرأيه، ولكنه يجد عددًا من معارفه والمشاهير يحيون الموضوع، فيضطر ل«لايك».. كانت إجابة محدثى بالرغم من صراحتها تعبيرًا عن قطاع من رواد مواقع التواصل، وتفسر حجم التناقضات التى تظهر وتصور كل واحد أنه الفهامة العلامة لمجرد عدد «اللايكات»، بينما أغلبها من باب المجاملة ورد اللايك بأحسن منه.. ولو حلل كل واحد حجم التناقضات فى أصحاب «اللايك»، لعرف قيمة أفكاره، خصوصًا وأن هناك قليلين فقط هم من يهتمون بالمناقشة، بينما يكتفى البعض بلايك أو «ديسلايك». ولهذا كثيرًا ما يفاجأ هؤلاء بأن توقعاتهم التى بنوها على مرجعيات «بوستات» تختلف عن الواقع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة