طوال السنوات الأربع الماضية، حملت على عاتقى تبنى قضية ملف الترهل الأمنى المخيف فى الصعيد بشكل عام، ومحافظة قنا بشكل خاص، وحذرت فى عشرات المقالات من المخاطر الجسيمة للترهل الأمنى فى قنا بما لم يسبق له مثيل، وبح صوتى للمطالبة بالتدخل الجراحى، واستبعاد صلاح حسان، مدير أمن قنا السابق، ورجاله لأنهم سطروا فشلًا مريعًا فى الأداء الأمنى، ووجدنا أخطر خليتين إرهابيتين شهدتهما مصر فى الفترة الأخيرة، تنمو وتترعرع بالمحافظة، وهما خلية تفجير الكنائس وخلية الواحات.
ورغم حالة العناد الشديدة فى التمسك باللواء صلاح حسان، ليظل فى منصبه مديرا لأمن قنا لسنوات طويلة، إلا أن الدولة استيقظت فى حركة الشرطة الأخيرة، وقررت إجراء تعديلات جوهرية للمنظومة الأمنية بالمحافظة، واستعانت بثلاثى أمنى جديد، يتمثل فى اللواء علاء العياط، مديرًا للأمن، واللواء أشرف رياض، مديرًا لمباحث المديرية، والعميد خالد غانم رئيس مباحث المديرية.
والحقيقة أن الثلاثى الأمنى، وبمجرد استلام مهامهم فى مديرية أمن قنا، فوجئ الجميع بأداء أمنى مغاير، يتسم بالقوة والفاعلية ومكافحة الجريمة بكل أشكالها، وتكثيف الحملات الأمنية، وإحكام السيطرة على القرى ومداخل المراكز والمدن.
وكانت الحملة الأمنية المكبرة التى شكلتها وزارة الداخلية قبل حركة الشرطة، والتىأشرف عليها قيادات الأمن العام، برئاسة اللواء جمال عبدالبارى، وقيادات من الأمن المركزى، قبل إجراء حركة تنقلات الشرطة الأخيرة، لها الدور الكبير فى عملية تغيير المنظومة الأمنية كلية، بعدما اكتشفت ما لم يخطر على بال أحد، فالحقائق عن الترهل الأمنى فى قنا مذهلة، وفاق سقف خيال أكثر رجال الأمن تفاؤلًا.
حقائق يرتعد لها أجساد الأسود خوفًا ورعبًا، ويشيب لها شعر الأطفال، من حجم الجرائم الدخيلة على المجتمع الصعيدى، مثل الاختطاف وتجارة الأعضاء البشرية، وجثث الموتى، وانتشار عصابات البلطجة، والسلب والنهب، وتجارة المخدرات والسلاح واغتصاب الأراضى والاستيلاء على منازل المواطنين، وفرض «الإتاوات» على كل من يبيع قطعة أرض أو يتاجر فيها، وعودة مطاريد الجبل، وسطوة ونفوذ عتاة المجرمين.
والحقيقة، ولأول مرة، تتخذ وزارة الداخلية قرارات مهمة لمعالجة ترهل وعبث المنظومة الأمنية فى قنا، ودفعت بمثلث الرعب الأمنى، اللواء علاء العياط واللواء أشرف رياض والعميد خالد غانم، وأظهر الثلاثى نجاحا وقدرات كبيرة، أتت ثمارها فى الفيلم الوثائقى الذى عرضته وزارة الداخلية فى حضور الرئيس عبد الفتاح السيسى الأسبوع الماضى، والذى فجر مفاجآت كبيرة، أبرزها أن الثلاثى المرعب، تمكنوا من دخول أماكن كانت عصية على دخول الأمن فى عنفوان هيبة الدولة قبل يناير 2011 وإبان جبروت اللواء حبيب العادلى وهو ما لاقى اعجاب وتقدير القناويين الباحثين عن الأمن والأمان.
نعم تمكن الثلاثى الأمنى فى قنا، من دخول قرى السمطا والحجيرات وحمرادوم وأبوحزام ونجع عزوز، وهى القرى التى كان يطلق عليها «بعبع الصعيد» وتمكنوا من إلقاء القبض على عتاة المجرمين، وضبط المئات من الأسلحة المتطورة للغاية، كما تمكنوا من إنهاء العشرات من الخصومات الثأرية بالتصالح بين العائلات والقبائل المختلفة.
قبل وصول الثلاثى الأمنى، اللواء علاء العياط، واللواء أشرف رياض، والعميد خالد غانم، كان الأهالى فى قرى ونجوع ومدن ومراكز محافظة قنا بشكل عام، وشمال المحافظة على وجه التحديد ينامون ليلًا على أنغام أصوات الرصاص، بجانب استفحال خطر كل الجرائم، وعلى رأسها جرائم اختطاف الأطفال والرجال والنساء لذبحهم وتحويلهم إلى قطع غيار أعضاء بشرية، والاتجار بجثث الموتى لطلبة كليات الطب، وتحولت مراكز محافظة قنا، خاصة دشنا، ونجع حمادى وفرشوط وأبوتشت، إلى سوق إقليمى لكل الأسلحة المتطورة ومصدر رئيسى لتسليح كل الجماعات الإرهابية.
لذلك ومن خلال الفيلم الوثائقى الذى شاهده الرئيس عبد الفتاح السيسى، أثناء زيارته لمقر وزارة الداخلية، الأسبوع الماضى، استعرض حجم الأماكن والبؤر الإجرامية التى كانت عصية على الأمن أن يقتحمها، وكميات الأسلحة، وأعداد المجرمين الذين ألقى القبض عليهم، ولكن لم يستعرض الفيلم أسماء أصحاب المهام الصعبة لإعادة الأمن والأمان فى قنا، فى نجاح ساحق، وفى وقت قصير للغاية، ما أدهشنى أنا شخصيًا، بعدما تسرب إلى نفسى اليأس والإحباط من استفحال الجرائم وانتشار عتاة المجرمين والبلطجية فى المحافظة، وما استتبعه من آثار سيئة على المواطن القنائى الذى كان يسدد ذلك من حياته وأمنه واستقراره وانتزاع ممتلكاته.
ما فعله المثلث الأمنى المرعب، من إعادة هيكلة المنظومة الأمنية، والجسارة والبطولة فى اقتحام أخطر البؤر الإجرامية ليس فى قنا أو صعيد مصر فحسب، ولكن على مستوى الجمهورية، وهو ما يعد نجاحًا مبهرًا ومبهجًا، ويؤكد ما كنا نقوله، أبحث عن الإدارة فى حالتى النجاح أو الفشل، وإدارة اللواء علاء العياط، واللواء أشرف رياض، والعميد خالد غانم، وباقى رجالهم، رائعة.
ويتبقى شيئًا واحدًا، أتمنى من الثلاثى وبعد نجاحهم المذهل فى إعادة بسط الأمن والأمان فى ربوع المحافظة، أن ينظروا لملفين مهمين، الأول ملف إدارة البحث الجنائى بنجع حمادى والذى تؤدى قيادته القديمة بنفس الأداء إبان وجود مدير الأمن السابق صلاح حسان، نظرًا لاستمرار نفس الوجوه، والملف الثانى، مواجهة بلطجية الاستيلاء على الأراضى، ومحاولة السطو على ممتلكات الغير بالبلطجة، ودون أية أسانيد قانونية تذكر، وهو الملف الذى لم يعيروه أهمية حتى الآن، رغم سهولة ضبطه وتصويبه.
وبما إننى وطوال السنوات الأخيرة، وعبر عشرات المقالات التى كشفت فيها مدى الترهل الأمنى المخيف فى قنا، فإننى وبكل شجاعة أؤكد أن الثلاثى الأمنى، مدير الأمن ومدير المباحث الجنائية ورئيس المباحث، أعادوا للأمن قوته وأصبح إطلاق رصاصة واحدة، فى أى قرية أو نجع، دربا من دروب أحلام الخارجين عن القانون!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة