فازت الحاجة دهب فرغلى فرحات، ابنة قرية الهنداو بمركز الداخلة فى محافظة الوادى الجديد، بالمركز الثانى على مستوى الجمهورية فى مسابقة الأم المثالية، والتى كرمها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وهى التى فازت بالمركز الأول على مستوى محافظة الوادى الجديد، كما فازت كأم مثالية بالمهرجان الدولى الخامس التابع لدولة الإمارات برعاية آل مكتوم، وذلك نظرا لتحملها المسئولية فى ريعان شبابها، قبل أن تكمل عامها الثلاثين لتربية رضيعين، لم يبلغ عمر أكبرهما وقتها 4 أعوام وأصغرهما أكمل للتو عامه الأول، وقاومت كل ضغوط الحياة وصعوباتها ومغرياتها وعملت موظفة بمرتب بسيط فى إحدى الجهات الحكومية، واستطاعت بهذا المرتب أن توفر سكنا آمنا مستقلا لهما، لتضمن لهما سبل العيش الكريم، وأنشأتهم على الفضيلة والقيم والمبادئ ومكارم الأخلاق.
الحاجة دهب فرغلى الأم المثالية
وأهدت دهب فرغلى جائزتها لأمهات الشهداء من رجال الجيش والشرطة، موجهة لهم رسالة بالاستمرار فى العطاء والبذل لأنهن أمهات أشرف الناس وأعظمهم عند الله تقديرا وعرفانا لما بذلوه من أرواحهم فداء للوطن، متمنية من الله أن يبعث فى قلب كل أم من أمهات الشهداء السكينة فى قلوبهم فتكون بردا وسلاما وطمأنينة تهون عليهن فراق فلذات أكبادهن، ومطالبة كل الأمهات أن تجتهد وتثابر من أجل أداء رسالتهن المقدسة تجاه أبنائهن حتى تقر أعينهن بتحقيق آمال وطموحات هؤلاء الأبناء، فهى الرسالة الوحيدة لكل أم فى هذا العالم.
الحاجة دهب فى رحلة خارج البلاد
تقول دهب فرغلى من مواليد 23 يونيو 1951 بقرية الهنداو بالواحات الداخلة محافظة الوادى الجديد فى تصريح خاص لــ" اليوم السابع"، إنها لم تيأس من المواقف التى مرت بها فى حياتها، وهى شابة بعد أن مرت بتجربة أسرية مؤلمة تركت لديها جرح غائر وصدمة كبيرة جعلتها تعيد التفكير فى مستقبلها والذى لم ترى فيه سوى طفليها الصغيرين، وقررت أن تتفرغ لهما تماما وأن تعمل على تنشئتهما ورعايتها حتى ترى فيهما أملها الذى كانت تحلم به .
وتضيف أن وعيها بأهمية التعليم ودوره فى بناء شخصية أطفالها ومستقبلهم كان دافعا لها للحرص على أن يبذل أولادها كل ما وسعهم فى مراحل دراستهم المختلفة، فكانت دائمة الحرص على متابعة سير دراستهم، وكانت تعتبر أن ذلك فرض لا يقل أهمية عن الفروض الخمسة، وكان أن كلل الله جهدها فى تعليم أولادها بحلول ابنها الأكبر فى المركز الثالث على محافظة الوادى الجديد فى أوائل الثانوية العامة فى عام 1995، وتكريمه فى ذلك العام الطالب المثالى على مستوى محافظة الوادى الجديد، والتحاقه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة كأول من يلتحق بها من أبناء قريته، ومن بين قلائل التحقوا بها على مستوى المحافظة.
وتؤكد أن نجلها الدكتور عاطف سعداوى تخرج من الكلية بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، وكان من بين الأوائل على دفعته فى قسم العلوم السياسية، وهو ما كان سببا لتعيينه فور تخرجه باحثا فى مركز الدراسات الآسيوية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة قبل أن ينتقل للعمل فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام القومية، وإدراكا منها أن التعليم والتحصيل لا ينتهى بالحصول على الشهادة الجامعية.
وكان إصرار الحاجة دهب على أن يكمل نجلها فى مسيرة العلم أن حصل على درجة الماجستير فى العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، ثم الحصول على دبلومة النظم السياسية المقارنة من وحدة من أكبر جامعات العالم وهى جامعة سيراكيوز بولاية نيويورك الأمريكية، ومن كلية ماكسويل للعلاقات العامة والمواطنة، وهى التى تصنف على أنها أفضل كلية فى الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال العلاقات الدولية، وهو الآن بصدد الحصول على درجة الدكتوراه فى العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة.
وظلت الحاجة دهب ترعى ابنها حتى أصبح أصغر مدير تحرير لمطبوعة حكومية فى مصر بمجلة الديمقراطية الصادرة عن مؤسسة الأهرام وذلك فى عام 2003، ولم يكن عمره وقتها قد بلغ 26 عاما، كما أصبح باحثا بارزا فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية فى مؤسسة الأهرام، وكاتبا صحفيا فى جريدة الأهرام، وعضوا فى نقابة الصحفيين، كما أصبح من أبرز المحللين السياسيين فى مصر وضيفا على معظم الفضائيات المصرية والعربية والدولية، وحصل على عدد كبير من المنح الدولية، ومن أبرزها منحة الرئيس الأمريكى رونالد ريجان فى الولايات المتحدة الأمريكية، وعمل أستاذا زائرا للسياسات العامة بمركز ودروو ويسلون الدولى للباحثين بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وهو من أكبر مراكز الأبحاث فى العالم، كما عمل باحثا بالصندوق الوطنى للديمقراطية بواشنطن، وباحثا زائرا بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية بأبوظبي، وهو من أكبر وأهم مراكز الأبحاث العربية، وشارك فى أكثر من 16 كتاب ما بين مؤلف ومحرر، كما شارك بالكتابة فى عدد من أبرز الدوريات العربية والغربية المتخصصة فى النظم السياسية، كما شارك ممثلا لمصر فى عشرات المؤتمرات فى الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي، وتم تكريمه من قبل العديد من المنظمات والهيئات المحلية والإقليمية والدولية، ومنها تكريم وزارة الشباب والرياضة فى مصر، ورئاسة الجمهورية فى الجزائر، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا،، أما الابنة الصغرى فقد التحقت بعد تخرجها بالعمل بوزارة التنمية المحلية وانتدبت منها لوزارة التربية والتعليم، وظلت خلال أكثر من 10 سنوات مثالا يحتذى فى التفانى والإخلاص فى العمل بشهادة رؤسائها ومرؤوسيها وزملائها.
وكانت الحاجة دهب سندا قويا لهم فى حياتهم العائلية،، فعلمتهم أولا حرية اتخاذ القرار، ولم تتدخل فى قرار اختيارهم لشركاء حياتهم، فجعلت كل واحد منهم يتحمل مسئولية قراره دون تدخل أو وصاية من جانبها، وعندما اختار ابنها الزواج من غير مصرية لم تتدخل فى قراره أو تحاول أن تثنيه عنه فاحترمت قراره، فتزوج من دبلوماسية مغربية، بدأ معها مسيرة كفاحه وأصبحت الآن دبلوماسية مرموقة ووزيرا مفوضا فى وزارة الخارجية المغربية ونائبا للقنصل العام فى دولة الإمارات،، وأما لأربعة أطفال هم أحفاد السيدة دهب.
كما أصرت الحاجة دهب على أن تلحق نجلتها بأكبر الجامعات المصرية وهى جامعة القاهرة، وتحملت بعدها عنها ورفضت أن تدرس فى مكان قريب من محل إقامتها تقديرا منها لأهمية جامعة القاهرة كصرح علمى كبير قادر على بناء شخصية الدارسين فيه، فكان أن تخرجت من كلية الآداب جامعة القاهرة، قسم الوثاق والمكتبات بتقدير جيد ولم تتدخل فى قرارها بقبول الزواج من شاب من خارج المحافظة، متحدية أعراف قريتها طالما ارتضت دينه وخلقه، وأصبحت الآن جدة لثلاثة أحفاد من هذا الزواج، وكما فعلت مع أبنائها لا زالت تقوم بنفس الدور مع أحفادها.
ويقول الدكتور عاطف سعداوى الباحث السياسى بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى تصريح خاص لــ" اليوم السابع"، إن سعادته باختيار والدته ومثله الأعلى فى التحدى والإصرار لا يمكن لمعاجم اللغة أو قواميس الكلمات أن تصفها، فقصة كفاح والدته تعكس مدى صلابة المرأة المصرية التى تتحدى المستحيل لكى تحقق هدفها، مؤكدا على أنه لن يجد ما يوفى والدته قدرها وهى التى جعلته وشقيقته أسمى أهدافها فى الحياة وتحملت فى سبيل ذلك جم الصعاب فكانت الأب والأم فى ذات الوقت وأصبحت هى ملاذه الأول فى تلك الحياة ومدرسته التى تلقى فيها كل دروس التحدى والعزيمة والإصرار على تحقيق الهدف، وستظل مدرسته التى لن يتخرج منها مطلقا وسيظل فيها تلميذا ينهل من أعظم القيم وأسمى المبادئ التى تربى عليها .
وتقول حنان ابنة الحاجة دهب، إن المشهد الذى مازال عالقا فى ذهنها واتخذت منه منهجا فى حياتها كلما داهمتها مصاعب الحياة تذكرته جيدا حينما كانت ترى والدتها وهى طفلة صغيرة تبنى منزلهم بيديها وتضع اللبنات فوق بعضها كأمهر عامل بناء لوحدها ودون مساعدة من أحد، ونظراتها حائرة ما بين نظرة على بناء الجدار وأخرى على أطفالها الصغار الذين وضعتهما جانبا حتى تكمل عملها الشاق، وهو المشهد الذى أبكى نجلتها وهى تتذكره وتتحدث عنه .
وتضيف أنها كثير جدا ما كانت تنتظر الفرصة التى تسنح لها كى تتحدث عن قصة كفاح والدتها والتى عايشتها لحظة بلحظة، فكانت والدتها تكافح فى صمت وتعمل وتجتهد ولا تطلب أى مساعدات من أحد، وترفض مطلقا أى فكرة تراها عائقا عن الاهتمام بأولادها، وصممت على هدفها لكى تربينا على القيم والمبادئ وتوفر لنا سبل الحياة الكريمة رغم ظروفها الصعبة، وكنت كثيرا ما أشفق عليها وأتمنى أن أخفف عنها أنا وشقيقى حتى وفقنا الله وتحققن فينا طموح والدتنا التى عانت وما زالت تعانى من اجلنا وتحمل همومنا أكثر منا وستظل هكذا رمزا للعطاء والبذل دون أدنى مقابل .
السيدة دهب فرغلى ونجلها الدكتور عاطف سعداوى
الأم المثالية سخرت حياتها لأولادها
الحاجة دهب تروى قصة كفاحها
الحاجة دهب وابنتها
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة