نولول ونلطم الخدود عند كل موقف يكشف استهانة أعدائنا بنا، لكننا فى الحقيقة نستهين بأنفسنا أكثر مما يستهين أعداؤنا بنا، ونهدر حقوقنا التى نتهم أعداءنا باستلابها، أسلحتنا فى صدورنا، وكيدنا فى نحورنا، غاياتنا تافهة، ومصالحنا شخصية، مصابون مصابون إلى آخر المدى بتضخم الذات، ومبتلون مبتلون حتى النخاع بالخسة والنذالة، نسينا كل ما يتعلق بالوطن والنضال عندما بدأنا اللهاث وراء السلطة، وما أتعسها سلطة زائفة على أرض من الرمال المتحركة، ما أشقاها مقاليد حكم على مجموعات اللاجئين المحاصرين الباحثين عن حلم التحرر، ونحن من حول حلم التحرر إلى أرصدة فى بنوك أعدائنا.
المأساة الفلسطينية تضيف فصلا جديدا إلى فصولها ربما لم يكن إميل حبيبى وهو يكتب رائعته «المتشائل» يتخيل أن يصل إليه الحال بالأشاوس المناضلين والمتحكمين والمتقاتلين بين رام الله وغزة، لم يكن إميل حبيبى ولا أكثر المتشائمين الفلسطينيين والعرب يتصورون أن أيقونة المناضل الفلسطينى الذى يطارده الأعداء على الأراضى الفلسطينية وفى الشتات، سيتحول إلى تابع لأعدائه، يقدم لهم كل سلاح ممكن ليطعنوه ويذبحوا حلمه بالتحرر واستعادة الأراضى المستلبة.
انظروا معى إلى طبيعة الانقسام الفلسطينى وإلى الصراع الفلسطينى المستعر بين حكام غزة وحكام رام الله، أهذا حال من لديهم حلم باستعادة الأراضى المحتلة؟ أهذا حال من لديهم يقين باسترجاع القدس والدفاع عن الأقصى؟ أهذا حال المناضلين أم الفاسدين الباحثين عن مصالحهم الشخصية التافهة والمدافعين عن أرصدتهم فى البنوك لا عن الأرض والحلم الفلسطينيين؟ هل تستعصى المصالحة الفلسطينية إلى هذه الدرجة ما دام السيد نتنياهو يريد الشقاق والحرب بين الفلسطينيين؟ كيف إذن سيخوض الفلسطينيون حرب التحرير إذا اقتضت الظروف ذلك؟ ومن يرفع لواء المقاومة إذا كان الجناح الغزاوى يطلب رضا الصهاينة وجناح رام الله يرفع شعار التعاون مع حكومة نتنياهو؟
نحن لسنا دعاة حرب ولا نطالب الأشقاء الفلسطينيين برفع السلاح إذا استطاعوا الحصول على حقوقهم بالمفاوضات، لكننا نطالبهم بحقن الدم الفلسطينى وعدم إهداره يوميا، نطالبهم بأن يقدموا مصالحهم العليا على مصالح أعدائهم التاريخيين فى تل أبيب، فإذا كانت المصلحة العليا الفلسطينية تقتضى التوحد خلف قيادة واحدة وإزالة الحواجز المصطنعة بين معسكر غزة ومعسكر رام الله، بينما المصلحة العليا الإسرائيلية تقتضى استمرار الصراع بين فتح وحماس وتفتيت القوى الفلسطينية تمهيدًا لجعل دولة غزة هى الأساس وطرد الفلسطينيين نهائيا من الضفة، فلتكن المصلحة العليا الفلسطينية غالبة فى هذا الملف على الأقل بصرف النظر عمن يحكم، أكان فى رام الله أو غزة، لتسقط السلطة فى رام الله والسلطة فى غزة ولتعد منظمة التحرير الفلسطينية مرة أخرى تهيمن على كل ما يتعلق بالشأن الفلسطينى
ما حاجتنا إلى سلطة إذا كانت هذه السلطة مدمرة لجوهر القضية الفلسطينية وللحلم الفلسطينى، ليعد الفلسطينى مرتديا الكاكى ومدافعا عن مفاتيح بيوت المقادسة، ليعد الفلسطينى مناضلا لا صاحب أرصدة فى البنوك تكبله وتذله، ليعد الفلسطينى رمزا كما كان للمقاومة وعن المقاومة، إلى أن يستعيد أرضه وفق الحدود التى يرتضيها، الرابع من يونيو 1967 أو الثالث عشر من مايو 1948، الشرط أن يعود الفلسطينى أمينا لحلم واحد هو حلم التحرر من الاحتلال، وأن يطرح عن كاهله الأحلام العدوة التى تكبله، الأحلام الإسرائيلية التى لا تريده إلا ميتا ضائعا مشتتا ذليلا، وأحلام السماسرة الجدد الذين يشترون الضمائر الفلسطينية بالمال، حتى يقبلوا أن يتنازلوا عن أرضهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة