عيد الأم أو يوم الأم هو ابتكار ظهر حديثاً فى مطلع القرن العشرين بدفع من بعض المفكرين الغربيين بعد أن وجدوا الأبناء فى مجتمعاتهم يهملون أمهاتهم ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن، فأرادوا أن يجعلوا يوماً فى السنة ليذكروا الأبناء بأمهاتهم، حيث لاحقا اتسعت رقعة المحتفلين به حتى صار يحتفل به فى العديد من الأيام وفى شتى المدن فى العالم، ويختلف تاريخ عيد الأم من دولة لأخرى، فمثلاً فى العالم العربى يكون اليوم الأول من فصل الربيع أى يوم 21 مارس، أما فى جنوب أفريقيا يحتفل به يوم 1 مايو وفى الولايات المتحدة يكون الاحتفال فى الأحد الثانى من شهر مايو من كل عام.
أما عن مصر فيحتفل بعيد الأم يوم 21 مارس من كل عام، حيث تبنى الكاتب الصحفى مصطفى أمين سنة 1943 فى كتابه «أمريكا الضاحكة» الدعوة للاحتفال بالأم فى اليوم الأول من فصل الربيع، لكن نجحت الفكرة وخرجت للنور، وبدأ الاحتفال بعيد الأم فى مصر فى 21 مارس عام 1956 واستمر الوضع حتى عام 1965 عندما سجن مصطفى أمين، فتم تغيير اسم عيد الأم لعيد الأسرة، لكن سرعان ما عاد اسم عيد الأم مرة أخرى.
وعن أمى التى أحتفى بها اليوم فى عيدها، فهى المرأة التى صنعتنى هى أول من عرفت عندما توغل الإدراك إلى ذهنى فوجدت يديها تحملنى بحرص وتلامسنى برقة وتداعبنى بحنو، فهى التفسير الدقيق لمعانى الحب والعطاء بلا حدود وبلا انتظار مقابل، فعقلى يمتلئ بومضات عن علاقتى بها على مدار سنوات عمرى.
لقد وعيت عليها ذكية مفعمة بالحيوية والنشاط، فتحصل يوميا على مدى عمرها الذى تجاوز الـ59 سنة على قسط قليل من النوم لا يتجاوز الساعات الأربع، فتستيقظ فى الخامسة صباحا لتقضى العشرين ساعة المتبقية من اليوم بعضها فى أعمال المنزل الكثيرة والشاقة فى هذا التوقيت، قبل أن تحاوطنا التكنولوجيا التى يسرت إلى حد كبير الأعمال المنزلية، وما بين الاهتمام بشؤوننا ونحن أربعة أولاد «أيمن- عماد - طارق- مصطفى»، حملت على عاتقها تعليمنا فى مدارس لغات خاصة وهو ما كان يمثل تحديا ماديا بالنسبة لها، نظرا لظروفنا الاقتصادية الصعبة فى هذا التوقيت، فتستكمل باقى ساعات يومها فى معاونة أبى الحاج «محمد الخولى» فى العمل، فتقطع المسافة يوميا ما بين شبرا الخيمة، حيث كنا نسكن والشرابية، حيث محل الخردوات المملوك لأبى الذى يعمل عقادا قبل أن يستقر بنا الحال للسكن فى حى الشرابية المتاخم لحى شبرا، حيث كانت مدرستى الإعدادية سانت كاترين الخاصة للغات ومدرستى الثانوية العهد الجديد الخاصة للغات.
فى هذه المرحلة من عمرى لم أكن أرى أبى كثيرا، فقد كان ومازال حتى اليوم يعمل لساعات طويلة تتجاوز أحيانا الاثنتى عشرة ساعة حتى يستطيع فى هذا التوقيت الوفاء بتكاليف المعيشة ومصروفات المدارس فيظل لساعات طويلة منحنيا على ماكينات العراوى والأوڤر والأجور، ليصاب نتيجة ذلك بخشونة فى رقبته تسبب له آلاما شديدة حتى اليوم، ورغم ذلك لا يتوقف عن العمل فهو أيضا يكره جدا أن يحصل على إجازة ولو ليوم واحد، فقد اعتاد على العمل على مدار عمره الذى تجاوز الـ69 عاما.
وفى مراحل الدراسة المتعاقبة لا يمكن أن أنسى أول يوم لى فى المدرسة رغم أن سنى حينها لم يتجاوز الرابعة فيومها لم أكن أتوقف عن الابتسامة وسط بكاء لا يتوقف من رفقاء أول يوم مدرسة، خوفا من المكان الذى تركهم فيه أولياء أمورهم فقد جالستنى أمى قبلها لتشكل إدراكى حول المدرسة، وعدم وجود مبرر للخوف أو البكاء، لأن بعد ساعات معدودة ستأتى لتأخذنى إلى البيت.
كما أذكر حزمها فى مبادئ الصدق والأمانة فكان أكثر ما يغضبها الكذب وخيانة الأمانة، فلا يمكن أن أنسى اليوم الذى أعجبنى فيه القلم الصغير لزميلى فى العام الدراسى الأول فأخذته ووجدته أمى فى حملة التفتيش اليومى لحقيبتى وملابسى، فظلت تضربنى حتى اليوم التالى الذى أعدت فيه القلم لصاحبه لأعود إلى البيت، فأجد أمى وقد أتت لى بعدة أقلام شبيهة بقلم زميلى.
كانت أمى تصرف كل ما تملك من مال علينا فتخبرنا دائما أن الكثير من الناس لا يعلمون أولادهم جيدا ويوفرون المال لبناء عقارات وإيداع المدخرات بالبنوك، لكن كانت تقول دائما أنتم مدخراتى فقد بنيت بكم 4 عمارات، فأذكر أن باعت أمى خاتم الذهب الذى تملكته من حطام الدنيا لدفع مصروفات جامعتى التى أصرت أيضا أن تكون متميزة، حيث حصلت على ليسانس الحقوق الإنجليزى، كما تخرج أخى عماد الذى يكبرنى فى كلية الزراعة الدولية، وأخى الأكبر أيمن معيدا فى كلية التجارة الإنجليزى ويُعد الآن للدكتوراه فى ألمانيا، أما أخى مصطفى الذى يصغرنى فقد كان ضربة قاصمة لأبوى وإخوتى، أما أنا فقد شكل لى نقلة حياتية أدخلتنى معتركات السياسة حيث توفى، رحمه الله، عام 2001 وهو على مشارف الثالثة عشرة من العمر تحت عجلات إحدى سيارات.
وفى النهاية، تختلف النظرة دوما إلى أمك وأبوك بعد أن يرزقك الله بالأبناء، حيث تدرك حينها كم أنك كنت مقلقا ومتعبا ومزعجا لأبويك، لتفسر أمامك وكأنه كتاب مفتوح كل تصرف منهم قد حمل تجاهك جانب من الشدة أو القسوة لتجده وقد انطوى على حب ليس له حدود، حب يدفع لأن تكون أفضل، فيقينى بات فى أن صلاح أى مجتمع يبدأ بصلاح الأسرة، وصلاح الأسرة هو فى يد مهندسة البيت الأم التى إن صلحت فقد صلحت الأسرة ومن ثم تقدم للمجتمع أجيالا تشيد وتصنع الأمجاد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة