معركة التاكسى مع «أوبر وكريم» تعيدنا إلى القضية الغائبة، أو المغيبة والأهم فى اقتصاد السوق، المنافسة. فقد كشف ظهور شركتى التاكسى الحديثة «أوبر وكريم» عن كل أخطاء وعيوب التاكسى الأبيض، وهناك عشرات القصص عن الجشع والتعالى، وعدم تشغيل أو التلاعب فى العدادات لتسجل أضعاف الأجرة، والراكب فى كل مرة يدفع مبلغا مختلفا وليس من حقه الاعتراض.
عيوب التاكسى كانت موجودة قبل ظهور أوبر وكريم، واتضحت أكثر مع المنافسة، واكتفى أصحاب التاكسى بالاعتراض والإضراب ومطاردة سائقى الشركتين، ولم تفكر رابطة سائقى التاكسى فى إفهام أعضائها أن يحسنوا طريقتهم ويلتزموا.
بالطبع هناك سائقو تاكسى ملتزمون وطيبون ويحترمون الراكب والعداد، لكنهم استثناء ضمن قاعدة عريضة، بل إن الجيدين أكثر المضارين من التاكسيات المخالفة، وكثيرا ما يشكو السائق الطبيعى من أن البلطجة تضرهم، السائقون ليسوا كلهم سيئين لكن السيئ طغى على الجيد.
ثم إن العاملين فى «أوبر وكريم» يفتحون بيوتا ويمارسون عملاً فى توصيل الناس، ويستعملون سيارات حديثة ومكيفة، لا يعترضون ولا يشترطون عدد ركاب أو مكان ذهاب، وبالطبع فيهم استثناءات من المخالفين هناك طرق لمحاسبتهم، وللمفارقة يحققون دخولا معقولة بينما يشكو أصحاب التاكسيات من الفاقة، ويتركون سياراتهم بلا اهتمام.
وكل هذه جعل المقارنة ليست فى صالح التاكسى، المدهش فى رد أفعال رابطة سائقى التاكسى أنهم يهاجمون المنافسين من دون أن يعترفوا بعيوبهم، ويعرفوا أن المواطن انصرف عنهم ويتحاشى التعامل معهم إلا مضطرا، لم نسمع لهم رأيا يعترف بالأخطاء أو مطالب بتعديل السلوك أو تطوير الخدمة، من خلال تطبيق إلكترونى بعد تقنين الأمر.
وهناك شركات ظهرت قبل «أوبر وكريم» فشلت، لأنها قامت على الاستغلال والمبالغة فى السعر، ولم تجذب الراكب، الواقع أن الجمهور يساند الخدمة والمعاملة الأفضل، أصحاب التاكسيات اعترضوا على «أوبر وكريم» ولم يناقشوا أسباب انصراف الناس عنهم.
ومع الأخذ فى الاعتبار أن مصالح سائقى التاكسى مهمة، ولهم متطلبات اجتماعية واقتصادية عليهم، وقد اجتمعوا فى تنظيم نقابى أن يعلموا أن أوبر وكريم إن اختفت سيظهر غيرها.
والقصة هى المنافسة مع التاكسى أو غيره، أصحاب التاكسى كانوا ينفردون بالسوق، ويحتكرونه ويفرضون شروطهم، لكن ظهور المنافس كشف عيوبهم، ويصرون على خوض المعركة بطريق خاطئ.
وما يجرى مع التاكسى يفترض أن يحدث فى كل شىء، وللأسف فإن تعطيل المنافسة هو الذى يدفع البعض للتعالى وفرض الشروط والأسعار. وهو درس يجب أن يعيه المشرعون والحكومة، المنافسة كلمة السر فى اقتصاد السوق، لكن عندنا اقتصاد سوق يحتكر ولا يفكر فى المنافسة، توجد قوانين لتنظيم المنافسة لكنها ناقصة أو معطلة، توجد حقوق للمستهلك نظريا، وعمليا ليس له حقوق، ووجود منافسين يدفع الطرف المحتكر للالتزام أو ينقرض، لهذا يرتبط اقتصاد السوق بفرض المنافسة ومنع الاحتكار، وكلاهما مرتبطان ببعضهما، فى كل ما يقدم من خدمات للمواطن، الاحتكار يفرض أسعاراً إجبارية ويؤدى لسوء الخدمة، وعدم الاهتمام بالجودة.
وهناك نقطة أخرة مهمة فيما يتعلق بالنقل، إذا كان هناك من يلجأ للقضاء لوقف «أوبر وكريم»، فهل يمكن أن يشمل قانون المرور قواعد لتنظيم كائنات الـ«توك توك» العشوائية، والميكروباصات التى تسير بلا تراخيص وتفرض فوضاها على الركاب وعلى الطريق؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة