د. شاكر موسى

جامعة الأزهر.. نور يشع بالعلوم الدينية والدنيوية

السبت، 24 مارس 2018 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل ألف وثمانية وأربعين عاما أشرقت على أرض مصر أنوار علوم جامعة الأزهر الشريف؛ فكانت بحق - منذ نشأتها وعلى مدار القرون الطويلة الماضية وصولًا إلى يوم الناس هذا - منارة للعلم يُستنار بها فى مصر وخارجها، ونبعًا صافيًا ينهلون من وسطيتها، ودقة التخصص فى علومها المتشعبة فى شتى مجالات العلوم الدينية والدنيوية.
 
ولم تكن الدراسة بجامعة الأزهر فى سنوات نشأتها الأولى قاصرة على العلوم الدينية فقط؛ فكما كان نظام الدراسة فى الأزهر يُركز على القرآن الكريم، والحديث النبوى، وعلومهما، والفقه وأصوله، وغير ذلك من العلوم الشرعية التى حفظت لمصر والأمة بأثرها هويتها وثقافتها وشخصيتها المستقلة، كانت جامعة الأزهر أيضًا ومنذ النشاة حاضنة لدراسة العلوم العلمية المتخصصة.
 
فجامعة الأزهر منذ نشأتها حاضنة لعلوم الطب، والهندسة، والرياضيات، والفلك، واللغات الأجنبية، وغيرها، إضافة إلى أنها كانت وسيلة التواصل الحضارى بين علماء الأرض من المشرق إلى المغرب، بل إن ما لا يعرفه الكثيرون أن جامعة الأزهر الشريف، وحتى سنوات قليلة مضت، كانت هى المرجعية الوحيدة المعتمدة لدراسة علوم الطب والهندسة والفلك وغيرها - فى العالم الإسلامي، وصفحات التاريخ شاهدة على هذا لمن أراد الرجوع إليها.
 
وهنا أشير إلى أن علماء الإسلام البارعين فى الطب والهندسة والفلك والرياضيات والفلسفة والمنطق وغيرها من العلوم، كانوا يبذلون الغالى والنفيس فى تحصيلهم العلمى فى سبيل الحصول على إجازة علمية - ما يعادل الشهادة الجامعية فى زماننا الحالى - من علماء الأزهر، بحيث تكون بمثابة اعتماد علمى موثق يُقر بأهليتهم لتدريس هذه العلوم أو ممارستها بشكل عملى من جانب، ومن جانب آخر تكون هذه الإجازة العلمية شهادة معتمدة يثق من ولم تقف جامعة الأزهر الشريف فى عصرنا الراهن عند مرحلة التاريخ المشرق والمشرف الذى أشرنا إلى لمحة مختصرة جدًّا منه فى الفقرات السابقة؛ بل أخذت من هذا التاريخ حافزًا للتطوير والإصلاح ومواكبة تقنيات العصر الحديثة، وكان من ثمار هذا التطوير أن جاء تصنيف اتحاد الجامعات الأفريقية الأخير فى نهاية العام 2017 م ليؤكد أن دراسة الطب بجامعة الأزهر هى الأولى على مستوى الجامعات الأفريقية.
 
ولعل هذا الاختيار يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الكليات العملية فى جامعات الأزهر؛ كليات أصيلة، وأن العالم أجمع يُقر بأن مستواها العلمي، ومواكبتها لآليات البحث العلمى متقدم جدًّا، ويؤكد أيضًا أنها صاحبة المرتبة الأعلى على مستوى القارة الإفريقية، وأنها تقوم بدورها الفعال فى خدمة المجتمع، وليس خفيًّا على أحد الخدمات الجبارة التى تقدمها المستشفيات التعليمية التابعة لجامعة الأزهر، مثل مستشفيات: الحسين، وسيد جلال، والزهراء، وغيرها من المستشفيات التعليمية الأخرى التى تخدم المجتمع المصرى فى محافظات الوجه البحرى، والوجه القبلى.
 
وقد يتساءل البعض: إذا كانت الكليات العلمية بجامعة الأزهر متميزة إلى هذا الحد؛ فلماذا يُثقل قيادات الجامعة على طلاب هذه الكليات ويُدرسون لهم مقررات شرعية لا تفيدهم –من وجهة نظرهم- فى حياتهم العملية؟ ولماذا لا يكتفون بالمقررات العلمية ويوقفوا تدريس المقررات الشرعية فى هذه الكليات؟
 
ولهؤلاء أقول: إن دراسة طلاب الطب والهندسة وأقرانهم من المنتسبين إلى الكليات العملية بجامعة الأزهر، للعلوم الشرعية أمر فى غاية الأهمية يجعلهم متميزين عن خريجى الجامعات الأخرى. 
 
ولعل أهمية تدريس المقررات العلمية الشرعية داخل الكليات العلمية لجامعة الأزهر، تنبع من أن هذه المقررات التعليمية تخدم التخصص، بما يُفيد الخريج فى حياته العملية؛ فمثلا طالب الطب والهندسة بجانب دراسته العلمية المتخصصة، يدرس كذلك علومًا إسلامية مثل: الفقه، والحديث، والتفسير، وغيرها، بما يخدم دراسته الطبية والهندسية، وهذا ما يجعله خريجًا متميزًا فى سوق العمل.
 
وأقول أيضًا لهؤلاء: إن التجربة العملية بينت أن الأزهر نجح فى جميع المجالات، وأن طبيبات وأطباء الأزهر يقفون على قدم المساواة مع زملائهم من خريجى الجامعات الأخرى.
 
بل إن الأزهر نجح نجاحًا كبيرًا فى التخصصات العلمية وسيظل دعمه لمسيرة الكليات العملية مستمرا، بناءً على النجاحات التى تحققت على أرض الواقع ويشهد بها الجميع، وأن فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر يسعى إلى إنشاء مزيد من الكليات العملية الجديدة فى التخصصات المختلفة بكل محافظات مصر، وقد أنشأ فضيلته معهدًا للعلوم الإسلامية جمع فيه المتميزين من طلاب المرحلة الابتدائية من جميع محافظات الجمهورية ليتخصصوا فى العلوم الإسلامية والعلمية، ومن ثم الاستفادة منهم فى المرحلة الثانوية ثم الجامعية فى مصر وخارجها.
 
وهل لى أن أسأل هؤلاء الذين يهاجمون جامعة الأزهر هذا السؤال : هل نسيتم أم تناسيتم العلماء المُسلمين الذين ساهموا فى تطوّر الحضارة الإسلاميّة، فانتشرت علومهم فى مختلف أنحاء العالم؛ ممّا أدّى إلى انتشار أسمائهم، وتعزيز شهرتهم، مثل:
1. أبو بكر الرّازي: أحد العلماء والفلاسفة المسلمين المشهورين، الذى قدّم العديد من الإنجازات فى مجال الطبّ.
 
2. محمد بن موسى الخوارزمي: الذى اشتُهر بمعرفته ودراسته العديد من أنواع العلوم، مثل: الفلك، والجبر، والرياضيات، والهندسة، ونقل علم الأرقام إلى دول أوروبا، واستخدم علم الجبر فى قضايا الوصايا والميراث.
 
3. الفارابي: الذى عُرِفَ بلقبِ المعلم الثانى فى العالم العربى بعد الفيلسوف والمُفكّر أرسطو، كما يُعدّ أباً للأفلاطونيّة الإسلاميّة الحديثة، كما ألّف كتاباً بعنوان المدينة الفاضلة؛ يُقارَن مع كتاب جمهورية أفلاطون الفاضلة.
 
4. ابن سينا: الذى لُقِّبَ بالشيخ الرئيس، وأطلق عليه الغرب لقب أبى الطبّ الحديث، وأمير الأطبّاء، وساهم ابن سينا فى تأليف حوالى مئتى كتاب فى العديد من الموضوعات؛ خاصّةً المهتمّة بالطبّ والفلسفة، ومن كُتبه المشهورة كتاب القانون فى الطبّ. 
5. الكندي: الذى اهتمّ بدراسة العديد من العلوم، مثل: الجغرافيّا، والمنطق، والكيمياء، والطبّ، والفلسفة، ويُعدّ أوّل من اهتمّ بإعداد منهج للبحث العلميّ؛ عن طريق استخدام الاستدلال والمُقدّمات.
 
6. ابن رُشد: الذى اهتمّ بدراسة الفلسفة، والطبّ، والرياضيات، والأصول، والفقه، وكان قاضياً عدّة سنوات فى مدينة إشبيلية، ومن ثمّ فى مدينة قرطبة. صُنِّف ابن رشد بأنّه من أهمّ أطباء عصره.
 
ولا يتسع المقام هنا للحديث أو حصر العلماء المسلمين الذين علموا العالم فى كافة العلوم.
 
إن جامعة الأزهر يا سادة، فرع من فروع مؤسسة الأزهر الذى يجمع بين الأصالة والمعاصرة، فلا تحاولوا أن تطفئوا نورها المشع من مئات السنين.
 
* المدرس بكلية اللغات والترجمة _ جامعة الأزهر .
 
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة