كان حضور المصريين بالخارج وإدلائهم بأصواتهم مؤشرا على الحضور بالداخل، الصورة العامة للانتخابات الرئاسية تحمل نفس الرسالة، نشارك فى اختيار مصر والمستقبل والاختلاف فى التفاصيل لا يعنى الاختلاف على الوطن ومستقبله، المصريون يختارون البناء والتقدم وبناء تجربتهم الديمقراطية التى تخصهم، ويحرصون على إرضاء أنفسهم أولا، وإن أى منصف يمكنه مشاهدة الصورة بتنوعاتها، ومدى الوعى الذى يظهر فى الشارع والتعامل مع ما يجرى بعيدا عن التهوين والتهويل، كان الحضور متنوعا كبارا وكهولا وشبابا، فئات اجتماعية مختلفة، ودرجات تعليمية واجتماعية متنوعة، وهى مشاهد ولاشك صادمة وكاشفة لقناة الجزيرة وأخواتها من قنوات تركيا، التى تحولت إلى نكتة أقرب للمسخرة.
الجزيرة وأخواتها قطعت نفسها ولطمت الخدود وشقت الجيوب، وبذلت الغالى والنفيس و«الكاذب والمفبرك»، جهد مهول وكبير ومكثف على مدى أسابيع لدعوة الناس للمقاطعة، ضمن اهتمام بالغ بالانتخابات والديمقراطية فى مصر، ومعروف أن قطر تهتم بنشر الديمقراطية الداعشية فى العالم، وتظهر جهودها الكبيرة فى دعم الديمقراطية فى سوريا بدعم تنظيمات داعش والنصرة وكل مرتزقة الإرهاب فى العالم، وكان ناتج جهود تركيا وقطر والجزيرة لدعم الديمقراطية واضحة فى أعداد اللاجئين والقتلى والخراب فى كل مكان فكروا أن يساندوه، ودعموا كل جرذان الأرض.
وعليه فإن الأيادى السوداء للجزيرة ظهرت من خلال البث على الهواء لعمليات الإرهاب فى سيناء، والتحريض على القتل علنا فى قنوات تركيا وقطر، ثم الهيستريا التى تنتابهم كلما صدمهم الشعب المصرى، فنرى أرجوزات يقدمون فقرات مضحكة.
وبعد جهود مضنية للتحريض على المقاطعة قررت الجزيرة اختراع الإحصاءات سابقة التجهيز، قبل الحدث وليس بعده، وعرضت الجزيرة نتائج استطلاع رأى عن الانتخابات ونسبة الحضور قبل يوم كامل من حدوثها، لتأتى بالنتائج من الكنترول، وهو خطأ تنظيمى كاشف عن سوء النية، وكشف اللعبة المضحكة للقناة العبقرية، ويمكن توقع إعلانات عن عزوف المواطنين واختفاء الملايين حتى لو كانت الطوابير تمتد بالكيلومترات، لكن الكاميرات سوف تخترح صورا فارغة وتنشرها على انها الحقيقة. وطبعا التكرار لا يعلم الجزيرة، ويضطر العاملون فيها لاختراع أى كلام ومشاهد مفبركة لتعكس وجهة نظرهم العميقة التى أصبحت أقرب للكوميديا من فرض سذاجتها، وأصبحت تقارير القناة متوقعة العزوف والحضور الكثيف للكبار وغياب الشباب، يظهر الشباب فيقولون إنهم مجرد كومبارس، وطبعا المصريون يتعمدون الغناء والرقص وممارسة البهجة للاحتفال بالانتخابات وتحويلها من ممارسة سياسية إلى مهرجانات للبهجة والفرح، وهو أمر يصيب عمقاء الجزيرة بمغص ودوخة.
الطوابير والزحام تكذبهم، فيقولوا إن العواجيز والنساء فقط، وهم يشاهدون الشباب فى المقدمة، وأن تقسيم الأجيال فى حد ذاته أحد تحليلات اتضح أنها خارج العقل، ولم يعد يؤمن بها سوى عدد ضئيل من مدمنى النشاط الكسول.
وكلما اخترع عمقاء الثورية الوهمية حجة، يأتى الواقع ليكذبها، فيلجأوا إلى إهانة الجماهير، ويعتبروا من يستخدم حقه الانتخابى مخطئا، بينما من يعطل هذا الحق إنما هو الفاهم العلامة، ممن فقدوا قدرتهم على التحليل فيلجأون لإعادة نفس الكلاشيهات السابقة من دون تجديد. فنرى قادة جماهيريين من عمقاء الفراغ التحليلى، يعانون من انسحاب الأضواء، يفشلون فى التأثير خارج متابعيهم، فيوجهون اللوم للجماهير، إنها تختار المستقبل وتشارك دعما لمطالبها، بينما يكتفى زعماء الفراغ التحليلى بالمزيد من الاغتراب بعيدا عن جماهير يتحدثون باسمهم ولا يعرفون عنهم شيئا.
المصريون شكلوا وعيهم عمليا، حضروا حيث يكون عليهم الحضور، يصنعون تجربتهم التفصيل رهانا على المستقبل.