أثناء تصوير فيلم «معالى الوزير»، كان بطله الفنان أحمد زكى يضع أمامه أربع علب سجائر من أنواع مختلفة، حسب تأكيد صديقه الماكيير«محمد عشوب»، وأمام غرابة المنظر سأله «عشوب» عن السبب، فأجاب: «عشان السرطان يخش بسرعة»، وبالفعل مع نهاية تصوير الفيلم هاجمه المرض».. «العربية نت 27 مارس 2017».
ربما نفسر هذه الرواية على أنها رغبة من «زكى» فى مغادرة الحياة التى غادرها بالفعل يوم 27 مارس «مثل هذا اليوم 2005»، غير أن سيرة هذا الممثل الاستثنائى، فيها ألف شاهد وشاهد على حبه للحياة.. يذكر الدكتور تامر النحاس أحد أطبائه: «كان نوعية مختلفة من المرضى الذين قليلا ما نجدهم حاليا، لأنه قاوم المرض بشكل يتعجب له الجميع لدرجة إننى تفاءلت فى بعض اللحظات، وتوقعت أن تغلب إرادته المرض، وهذا ضد الواقع والعلم والطبيعة».
عاش قلقا ومتمردا بالمعنى الإيجابى، مدفوعا بمحطات عذاباته وآلامه التى بدأت بعد عام من مولده «18 نوفمبر 1949» فى مدينة الزقازيق محافظة الشرقية: «توفى والدى وأنا فى السنة الأولى من عمرى، أتى بى ولم يكن فى الدنيا سوى هو وأنا، وها هو يتركنى ويموت، أمى كانت فلاحة صبية، لا يجوز أن تظل عزباء، فزوجوها وعاشت مع زوجها، وكبرت أنا فى بيوت العائلة، بلا إخوة، ورأيت أمى للمرة الأولى وأنا فى السابعة.. ذات يوم جاءت إلى البيت امرأة حزينة جدًا، ورأيتها تنظر إلىّ بعينين حزينتين، ثم قبلتنى دون أن تتكلم، ورحلت، شعرت باحتواء غريب، هذه النظرة إلى الآن تصحبنى، حتى اليوم عندما تنظر إلىّ أمى فالنظرة الحزينة ذاتها، فى السابعة من عمرى أدركت أننى لا أعرف كلمة أب أو أم، وإلى اليوم، عندما تمر فى حوار مسلسل أو فيلم كلمة بابا أو ماما، أشعر بحرج ويستعصى على نطقها».
فى محطات آلامه أيضا، تلك القصة المعروفة التى رواها هو أكثر من مرة، وكاد ينتحر بسببها حينما رفض المنتج والموزع رمسيس نجيب أن يلعب دور البطولة أمام سعاد حسنى فى فيلم «الكرنك» إنتاج 1975، قائلا: «ما ينفعش الولد الأسود ده يحب سعاد حسنى»، فكان تعليقه هو: «أنا اليوم أجرى خلفكم.. غدا ستجرون أنتم خلفى».. وفى محطات الألم أيضا راحلون كانوا مصابيح تنير طريقه أبرزهم الشاعر والفنان صلاح جاهين الذى كتب له مسلسل «هو وهى»، والمخرج عاطف الطيب الذى أخرج له مجموعة من الأفلام المهمة بدأت بفيلم «التخشيبة»، ومعه «حدثت حالة من الانسجام الفنى والنفسى والروحى، يؤكدها الناقد طارق الشناوى: «كان عاطف الطيب يقول لى: دائما ما يحلم بأن يمنحه الممثل درجة من التعبير أمام الكاميرا، ولكن أحمد زكى يتجاوز من فرط صدقه كل أحلامه»، يعلق «الشناوى»: «كان الوحيد القادر على إدهاشه رغم أنه المخرج»، ويستخلص: «كان الممثل الأول والأروع بين نجوم التمثيل بشهادة العديد من زملائه» الدستور الأصلى - موقع إلكترونى 9 مارس 2013».
واجه «زكى» الألم بالأمل، وإصراره أن يكون لبقائه معنى مختلف، فصار هذا «الاستثنائى» الذى قدم للسينما 56 فيلما، وللتليفزيون «الأيام» و«هو وهى»، وكان حاصل ذلك فى رأى المخرج محمد خان الذى أخرج له «زوجة رجل مهم»، و«أحلام هند وكاميليا»: «أحمد من أهم النجوم الموهوبين الذين عملت معهم على الإطلاق، كان غولا أمام الكاميرا، ونجح فى أن يعايش كل الشخصيات من دون أن تكون هناك أى مشكلة تواجهه، كان بديعا فى تناوله للشخصية، ماهرا فى السطو على القلوب».. «جريدة الخليج - الإمارات 28 مارس 2005»، وتوقع الناقد اللبنانى «إبراهيم العريس» فى نعيه له، أن السينما المصرية والعربية ستحتاج إلى سنوات كى تعوضه «الحياة-لندن 28 مارس 2005»، واعتبره طارق الشناوى: «الأول والأروع بين نجوم التمثيل بشهادة العديد من زملائه».
ينقل الكاتب والباحث إبراهيم عبد العزيز فى الجزء الثانى من كتابه «ليالى نجيب محفوظ فى شبرد «عن» دار بنانة-القاهرة»، تأثير خبر الرحيل على الجلسة الأسبوعية لأديب نوبل مع أصدقائه ومن بينهم المخرج توفيق صالح فى هذا الفندق الشهير. قال صالح: «أحمد زكى طيب كإنسان، موهوب كفنان، لكنه دارس ومتطور، ومنذ أيام أنور وجدى لم يظهر مثله فى تاريخ السينما المصرية برغم وجود يوسف وهبي، ونجيب الريحانى، وسليمان نجيب، وهى أسماء ضخمة»، ويضيف: «أحمد زكى هو الممثل والآخرون يعتمدون على شخصياتهم، إن كانوا رجالا أو نساء، أحدهم إذا حصل على دور محامٍ نصاب يذهب قبل كل لقطة ليقوم مساعد المخرج بتحفيظه الحوار، ويوجد ممثلون لو قصصت أدوارهم فى كل أفلامهم تستطيع أن تصنع منها فيلما واحدا، لأنها هى، هى، الشخصية نفسها، أما أحمد زكى فكان يذهب للمخرج ويقول له: أنا أفكر لهذه الشخصية بملابس معينة، ومكياج معين، فهو يكون شخصية الدور من دراسته للسيناريو، ونادرا ما تجد ممثلا يقرأ السيناريو».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة