مرت سنوات طويلة لم يكن هناك من يطلب من الناخبين النزول والتصويت فى الانتخابات، والحضور والغياب، كانت العملية السياسية تجرى بشكل عادى. فيما يتعلق بمنصب الرئيس ظل يتم بالاستفتاء للرئيس الأسبق حسنى مبارك، 4 فترات، كل منها 6 سنوات، وفى الخامسة تم تعديل الدستور ليكون بالانتخاب بين أكثر من مرشح، وبدأت الاعتراضات بعد 23 عاما. ولم يكن أحد يهتم «بنزول أو طلوع».
بعد 25 يناير تغيرت المعادلة قليلا لكن ظل هناك تيار استمر فى المقاطعة بعد يناير، تقوده زعامات النشاط الفيسبوكى، وانتهى الأمر بحالة «كلشنكان»، وتركز التنظير على مواقع التواصل، ولهم فى كل مرة مبررات، تجعلهم بعيدا عن الممارسة، من دون أن يقيموا نتائج مقاطعتهم.
دعوة الناس للمشاركة يعكس الاهتمام بالجمهور، ولو هناك رغبة لفرض نتائج معينة ماكانت هناك دعوة للنزول يعنى «مش مهم تنزل»، لكن الواقع أن المشاركة غالبًا ماتكون انعكاسًا لنسب المشاركة فى العمل السياسى، لدينا 100 حزب وأكثر لا يتجاوز أعضاؤها النصف مليون فى أكثر التقديرات تفاؤلًا، وإذا سأل أحد عن السبب فى ضعف هذه الأحزاب يمكن أن ترى تفسيرات وردودا أغلبها يعلق الفشل فى شماعة أخرى.
مواقع التواصل الاجتماعى فرضت نوعًا من «شبه الممارسة السياسية» حيث يظن الواحد أنه ببعض البوستات وأبيات الشعر يمارس السياسة، وأنه ليس بحاجة لأى نوع من المشاركة، لدرجة أن بعض كبار «المفيسين» أعلنوا اعتزال السياسة، وهم لم يقربوها خارج المربع الأزرق. ظنًا أن اللايكات جمهور وشعب، وهم مجرد أعداد افتراضية، أو مجاملة وإحراج.
كثيرًا ما يفشل أنصار المقاطعة فى تقديم تفسير مقنع، وأغلبهم يكتفى ببوستات عميقة جدًا، أو فكاهية، يوظفون فيها صورًا وشبه أخبار غالبًا ماتكون فوتوشوب أو ملعوبًا فيها، لكنها ترضى غرورهم وتمنحهم شعورًا بالاستعلاء، والانتفاخ السياسى، وتجذب لهم لايكات، وهو انتفاخ ليس له مبرر ولا شىء يسنده.
من الصعب أن تعثر على نقاش أو آراء مؤيدة ومعارضة على صفحات مواقع التواصل. شخصيًا أعرف بعض «الفريندز» يصرون على نشر نفس البوستات طوال سبع سنوات باختلاف المناسبة، ويستعملون نفس الحكم والآيات وأبيات الشعر التى تصلح لكل زمان ومكان ولا تعنى شيئا أكثر من كسل عقلى يختفى وراء آراء معلبة وحكم أزلية.
وخلال الأيام الأخيرة وصل الحال بتحويل النقاش إلى إهانة للناس وللسيدات، واستخدام صور مفبركة للرقص بعضها من خارج مصر، ثم يبنون عليها تعليقاتهم العميقة التى تقطر إهانة. وهى حالة تعبر عن اكتئاب أكثر مما تعبر عن موقف سياسى.
لا مانع من أن ينتقد البعض ظاهرة الرقص أو يؤيدها، فقط من دون التورط فى إهانات، وربما علينا الاعتراف بأن السنوات السبع الأخيرة أنتجت خلطًا بين الاختلاف فى الرأى وبين الردح. بل وحتى عمليات التأثير الدعائى واردة فى صناعة السياسة ليس عندنا ولكن فى العالم الذى يقف أمام وقائع وتدخلات أشهرها 50 مليون حساب، باعها فيس بوك لشركة تعمل بالسياسة، واستعملت لصالح الرئيس الأمريكى ترامب، والبريطانيون أعلنوا علنًا اتهام الروس بالتدخل لتغيير آراء البريطانيين ودفعهم للتصويت للخروج من الاتحاد الأوروبى. وهذه أمثلة تدفع للتفكير فى حجم التأثير والإقناع السياسى، وتدفع للتفكير فى مدى سلامة الوعى والقدرة على التفرقة بين الحقيقى والمزيف.
ولا أحد يمكنه الادعاء بامتلاك تصور واضح لعملية بناء وصنع الديمقراطية، والممارسة ليست غاية فى حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق أهداف أهمها تكافؤ الفرص والعدالة والتوازن بين الأجر والعمل والأسعار. وأن يحصل المواطن على خدمات مناسبة علاج وتعليم ونقل ومسكن، تتناسب مع قدراته. وتنمية تنتج فرص عمل حقيقة. وهذا يصنع الإرادة الحرة، التجارب يتم تفصيلها، لا توجد وصفات جاهزة يمكن استيرادها. وهذا هو ما يفترض البحث عنه فى انتخابات الرئاسة وغيرها. على الأرض وليس فى الفراغ الافتراضى.