لا أدرى لماذا يحدث هذا، لكننى أدرك تماما أننا غالبا ما نقيس مقدار الفرح بمعيار واحد فحسب هو «المرأة»، فهى المعيار الأهم والأجمل والأكمل، وهى المعيار الأصدق والأوضح والأكثر عفوية، ففى صور الثورات، تظهر صور المرأة باعتبارها دليل الحقيقية، وفى مباريات كرة القدم، تظهر المرأة باعتبارها قبلة الشعور وميزان النشوة، ولهذا كان طبيعيا أن نعتبر تظاهرة نساء مصر فى 1919 التى خلعن فيها الحجاب، بداية للاستقلال والتحرر، ولذلك أيضا كانت صور بنات مصر مباريات كرة القدم، دليل توغل الفرحة فى القلوب ووصولها إلى الحد الأقصى، وكذلك أيضا أعتبر صور البنات اللاتى يرقصن أمام اللجان من أكبر الأدلة على حيوية الحياة السياسية المصرية، ومن أكبر الإنجازات للشخصية المصرية المتحررة.
من هذا المنطلق لا أفهم على الإطلاق تلك الحالة الممجوجة من الهجوم على بنات مصر اللاتى رقصن أمام لجان الانتخابات الرئاسية، وفى الحقيقية أيضا فإن هذا الهجوم بالنسبة لى لك يكن سوى تأكيد على مرض بعض محتكرى الثورة من أنبياء البكاء على اللبن المسكوب، ومحترفى المزايدة على عباد الله، فهؤلاء الذين أدانوا تلك الرقصات العفوية واستنكروا كل مظاهر هذا الفرح الشعبى، هم أنفسهم الذين كان يعتبرون رقص البنات فى ثورة 25 يناير من أكبر أدلة التحرر، فلا أعرف لماذا يدان فعل الرقص هنا، ويمجد هناك؟
هؤلاء يتبعون مبدأ واحدا هو، الحلال هو ما نفعله، والحرام هو ما يفعله الآخرون، هؤلاء لا ينظرون إلى حقوق الغير فى الفرح والانتشاء، هؤلاء ينكرون حقوق الغير لا لشىء سوى لأنهم على اختلاف سياسى معهم، وطبيعى أن تشتعل المكايدة بين الخصوم، لكن غير الطبيعى أن تتبدل المواقف ويدان الفعل الواحد فى مرة ثم يمجد فى مرة أخرى.
قال الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر حسن العطار: «من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، فى ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار» وحينما سأل الروائى العالمى باولو كويلهو عن سبب اعتزازه البالغ بكونه برازيليا، لخص الأمر فى ثلاثة أسباب، وقال: لماذا لا أعتز بكونى برازيليا، فلدينا أعظم فريق لكرة القدم، ولدينا نساء جميلات، ولدينا شعب جميل يحب الرقص، وحينما أراد المعلم الروحانى «أوشو» أن يلخص الحياة فقال: «الحياة فى غاية البساطة، إنها رقصة فرح، وبإمكان الأرض أن تمتلئ بالفرح والرقص، ولكن بعض الناس لهم مصالح راسخة بألا يتمتع أى إنسان بالحياة»، ومن هذا الصنف الأخير نعوذ بالله.