كلها اختبارات يربح فيها الوطن، ويخسر فيها من أراد السوء، كلها مراحل يشتد فيها غربال الفرز لتتساقط من بين شبكته عقول فاسدة وقلوب مريضة، ويبقى على الطاهر والمخلص والمدرك لطبيعة احتياجات الدولة.
لا تندهش ولا تحزن، فلقد مضى عهد الاندهاش من تصرفات الإخوان غير الأخلاقية تجاه مصر والمصريين، وتلاشت فكرة الحزن من تبدل أحوال أهل السياسة وطائفة النشطاء وفق الهوى والمصلحة الشخصية.
لا تنزعج ولا تغضب، فلقد بات الانزعاج من أكاذيب الإخوان وتحريضهم ضد مصلحة الدولة المصرية مؤشرا جديدا على أن مصر تسير فى طريقها الصحيح، والسير بخطى واثقة وثابتة هو أكثر ما يزعج عدوك ويدفعه للصراخ بكل ما هو ضدك كذبا وتحريضا، والغضب من تلاعب طائفة النشطاء ومن يتلذذ بالحديث باسم الثورة والاتجار بها لم يعد مجديا، فهم لو سألتهم ستأتيك إجابة قائلة: نحن على ما وجدنا عليه مصالحنا، نكذب إن كان لنا مرشح وكان الهوى الشعبى يخطو تجاه مصالحنا اعتبرنا المشاركة فعلا إيجابيا وديمقراطيا ووطنيا، وإن غاب مرشحنا وافتقدنا أرضية شعبية تدعم مصالحنا اعتبرنا المقاطعة فعلا ثوريا وديمقراطيا والمشاركة الانتخابية فعل يستدعى السخرية.
وفى طريقهم نحو تبرير «خيبتهم الثقيلة» فى الشارع، يسعى الإخوان وطائفة النشطاء والمتاجرون بفعل الثورة إلى السخرية من كل شىء للتغطية على فشلهم فى استقطاب الناس أو إقناعهم بأنهم أهل جدية وإخلاص، ولكنهم فى هذه المرة انحدروا إلى حيث سفح التدنى الأخلاقى والقيمى والفكرى.
كلاهما الإخوان وطائفة النشطاء سقطوا فى اختبار الانتخابات الرئاسية، تزين أوراقهم «كحكة حمراء» دليلا على فشل جديد ومستمر، بدأوا اللعبة بحديث عن المقاطعة وعدم فائدة المشاركة وقدموا صورة للعالم بأن صناديق الاقتراع ستكون خاوية دلالة على عدم جدية الانتخابات وعدم رضاء الناس عن الأداء الرئاسى، وصدمتهم مشاهد الناخبين أمام اللجان، تاجروا بالدم فردت تجارتهم كرصاصة إلى صدرهم حينما خرج الناس إلى لجان الانتخابات عرفانا وتقديرا لأرواح الشهداء، خصصوا منابرهم فى الداخل والخارج للحديث عن عزوف شعبى، فجاء رد الناس فى اللجان رقصا وكيدا، ثم لجأوا إلى سلاحهم ثقيل الظل وهو السخرية، السخرية من كل شىء وأى شىء، من رقص الناخبين أمام اللجان الذى كان الإخوان يعتبرونه فيما مضى دلالة على شعبية جماعتهم و«مرسيهم» وكان النشطاء فيما مضى يعتبرونه إبداعا ديمقراطيا مختلفا من الشعب المصرى.
ثم انحدروا بسخريتهم إلى أكثر صور السفه الأخلاقى ابتذالا حينما بدأوا حملة سخرية من كثافة مشاركة كبار السن فى طوابير اللجان الانتخابية، بدأوا بنشر الصور والإفيهات ثقيلة الظل واستخدام تعبيرات جيل النكسة وشباب ثورة 19 حتى وصل بهم التدنى إلى إطلاق حملة سخرية من أهلنا وأجدادنا بتعبيرات مثل «طالما قادر تقف فى الطابور ياجدى ابقى شوف مين هيقعدك فى المترو أو القطار» أى تدنٍّ أخلاقى هذا من جماعة تدعى التدين وحراسة الأخلاق!، هو الله يا سيدى كاشف كل متستر بالدين والأخلاق، يكشف لك جماعة ترفع شعار الدعوة والدين الإسلامى الذى يفرض على الصغير احترام الكبير بينما جماعة الإخوان تطلق حملات السخرية من الكبار وإهانتهم.
حتى النشطاء أصحاب الألقاب الثورية سقطوا فى نفس مستنقع الوضاعة الأخلاقية الإخوانى، وبدأوا السخرية من مشاركة كبار السن فى الانتخابات الرئاسية، ونسوا أو تغافلوا أنهم كنشطاء وشباب ثورة كانوا قبل ذلك بسنوات يفاخرون العالم بصور كبار السن فى الميادين ويلقبون فلان بأبو الثورة وفلانة بأم الثوار، هى المصلحة الشخصية إذن تحكم مواقف هؤلاء إن ربحوا أحسنوا وإن خسروا أساءوا، أما الدين والوطن فهى بالنسبة لهم أدوات للتجارة والتلاعب.
لا شىء أقبح ولا أوقح ولا أحقر من تلك السخرية المريضة من كبار السنة، هم أهلنا وكبارنا، وتاج فوق رؤوسنا، ولا شىء أكثر إثارة للدهشة من هؤلاء الذين عيّروا كبار السن ذات مرة بأنهم أهل حزب الكنبة، ثم حين شاركوا فى طوابير انتخابية لا تخدم مصالحهم سخروا منهم.
سقط أهل ادعاء التدين والأخلاق حينما سخروا منهم، وسقط أهل ادعاء الحرية حينما صادروا على حرية الناس فى تحديد اختياراتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة