المصريون حولوا الانتخابات الرئاسية إلى يوم عيد وفرحة ومناسبة للبهجة، ومن يرصد مشاهد الاحتفال والغناء والمرح أمام اللجان الانتخابية بالأحياء الشعبية والقرى والمدن، لابد أن يتأمل فى إعجاب طبائع المصريين ومحبتهم للحياة وقدرتهم على تحويل المناسبات المهمة والمصيرية إلى استعراض كبير لرغبتهم فى العيش والاستمرار، وهذا ليس غريبا على المصريين، فهم الشعب الأعرق الذى حافظ على حياته واستمراره فى أرضه رغم أقسى المتغيرات والظروف لآلاف السنين.
سيدة مسنة تخرج من اللجنة بعد إدلائها بصوتها، وتعطى للشباب فى منطقتها محاضرة طويلة وشديدة التأثير عن ضرورة المشاركة فى الانتخابات، لأن المشاركة تعنى الحفاظ على أكل العيش ومنع السوابق والبلطجية من رفع السلاح على السكان الآمنين وقدرة البنات على العمل والسير فى الشوارع بأمان، ثم تفاجئ رجلا يتوكأ على عصاه بأن تخطف منه العصا وتهتف رقصنى يا جدع.
عريس وعروس يقرران أن يذهبا للإدلاء بصوتيهما قبل أن يذهبا إلى عش الزوجية، وبملابس الفرح يدخلان لجنة الانتخابات وسط تصفيق المحتشدين، تملأ البهجة المكان وتسود لحظات جمعية من السعادة والإيمان بالبلد، مثل هذه اللحظات يعجز الكتاب عن الإحاطة بها إذا أرادوا التعبير عن فكرة الوطنية الكامنة فى وجدان المصريين، وتخيلوا أن اليوم الأول من الانتخابات شهد أكثر من حالة زواج أمام اللجان الانتخابية أو ذهاب عروسين للإدلاء بصوتيهما بملابس الفرح ومعهما الأهل والأصدقاء والمعازيم، ما هذا الجمال والجلال والإيمان بالوطن؟!
اللقطات المبهجة والسعيدة والكاشفة عن عبقرية بسطاء المصريين كثيرة ومختلفة من محافظة إلى أخرى، مواطن زين جمله وجاء يتباهى بالتصويت هو وأهله، وآخر أصر على الاحتفال بالطبل والمزمار وثالث ينظم مسيرة عائلية للتصويت فى الانتخابات ورابع يعمل لافتات ورسائل لعموم المصريين وليس لأهل قريته فقط وخامسة تصر على الاحتفال وسط أهل منطقتها بالغناء للانتخابات.
ووسط هذه اللقطات المبهجة والسعيدة والكاشفة، يتجلى وعى المصريين عميقا بما تعنيه الانتخابات الرئاسية من حفاظ على ما تحقق من إنجازات واستمرارها، وكذا الحفاظ على الأمن القومى وسط العواصف التى تضرب المنطقة من حولنا، وفى مواجهة برامج الفوضى التى تدعمها الدول الغربية الكبرى لاحتواء المنطقة بالكامل وبدء موجة استعمارية جديدة تستنزف ثرواتها وتتحكم فى مصائر دولها وشعوبها بعد إعادة رسم الخرائط الدولية بما يحقق هذا الهدف الجهنمى.
لافتة بسيطة كتبها طلاب بجامعة المنصورة وعلقوها على واجهة مبنى الجامعة من الداخل فى إطار التوعية للطلاب بضرورة المشاركة فى الانتخابات، اللافتة تقول «طابور الناخبين أفضل من طابور اللاجئين»، هذه العبارة الجامعة المانعة ربما تلخص الوضع السياسى المصرى والعربى فى المنطقة المضطربة التى نعيش فيها، كما تكشف بوضوح عن وعى عميق وسباق لدى الشباب المصرى، فالانتخابات الرئاسية فعلا هى ضمانة الاستقرار وهى كلمة الشعب فى مواجهة الاستعمار الجديد والقديم وهى السيف والدرع لردع المتربصين والمتآمرين، ومن يتصورون أن بمقدورهم تحجيمنا أو الاستهانة بقدرتنا أو ضرب مصالحنا الحيوية.
طابور الناخبين أفضل من طابور اللاجئين وحماية وطننا تبدأ بالمشاركة الفعالة باختيار رئيسنا وحماية مؤسساتنا، فالشعوب وكلمتها واتحادها هى معيار القوة الحقيقية لأى بلد وهى ما يخشاه المستعمرون والطامعون فعلا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة