اتصل بى بعض أصدقائى يناقشون المقال الأخير المنشور هنا الأسبوع الماضى بعنوان «مستقبل الصحافة الورقية.. لا أحد يتحرك.. الموت فى انتظارها»، البعض اتفق معى فى الموت المنتظر للصحافة، وقالت لى الزميلة د. سهير صالح، وكيل المعهد الدولى العالى للإعلام بأكاديمية الشروق، إن جيرانها فى العمارة التى تسكنها توقفوا عن شراء الصحف الورقية، بينما اختلف معى بعض الأصدقاء الصحفيين وعاتبنى واحد منهم ساخرا «طيب وأنا ها اشتغل إيه ياريت تشوف لى مهنة أخرى»!!
عتاب الصديق الصحفى وهو بالمناسبة كاتب كبير، يطرح سؤالا مهما عن مستقبل الصحفيين العاملين فى الصحف الورقية فى مصر والعالم، وهو سؤال يشهد إجابات متعددة واجتهادات منها:
أولا: ضرورة الحفاظ عن الحقوق المادية للصحفيين العاملين فى الصحافة الورقية، وهو ما حدث فى كثير من الحالات التى أغلقت فيها صحف ومجلات ورقية عبر العالم، لكن الإشكالية أن التعويض المالى ليس كل شىء بالنسبة للصحفى، لأن هناك حقوقا أدبية مهمة للغاية بالنسبة للصحفى أهمها حقه فى الاستمرار فى العمل فى المهنة التى عشقها وعرفها، وقد لا يعرف كثير من الناس أن الكتابة بالنسبة للصحفى أو الكاتب هى حاجة نفسية واجتماعية قبل أن تكون حاجة إلى راتب أو دخل مادى منتظم، لذلك فإننى أؤكد أن أى مشروع فى مصر لتحويل بعض الإصدارات الورقية إلى شكل إلكترونى لابد أن تشمل جميع الصحفيين بحيث يظل لكل منهم دور ووظيفة ومساحة للكتابة والنشر جنبا إلى جنب مع الحفاظ على مستحقاته المالية من راتب ومعاش ومكافأة نهاية خدمة، المعنى أنه لا يتم الاستغناء عن خدمة أى صحفى إلا إذا قرر هو ذلك بمحض إرادته وبدون أى تدخل أو اغراء من المؤسسة التى يعمل بها أو من الهيئة الوطنية للصحافة، وأعرف أن الأخيرة لديها خططا ومشروعات لتحويل بعض الإصدارات الورقية إلى إلكترونية، لكنى أتمنى عليها أن تسرع لأن كل أسبوع يمر على الإصدارات الورقية الخاسرة يعنى مزيد من تبديد مال الشعب ومن مجهود الصحفيين فى تلك الإصدارات التى يقراها عشرات الناس فقط.
ثانيا: ضرورة إعادة تأهيل الصحفى الورقى إلى صحفى إلكترونى E.journalist قادر على التعامل مع وسائط الإعلام الجديد، وهنا لابد من التوضيح لأن بعض الصحفيين يعتقدون أن تحويل مجلة أو صحيفة إلى إصدار إلكترونى يعنى أن يكتب الصحفى الخبر أو الموضوع لكى يقوم آخرين بتحميله واختيار صورة أو فيديو مناسب، هذا الاعتقاد غير صحيح، لأن موقع صحيفة ما على الويب سيدمج كل وظائف وسائل الإعلام المقروءة والبصرية والمسموعة، لذلك من الضرورى أن يتدرب الصحفى الورقى على كل تقنيات الصحافة الجديدة، صحافة المضمون الشامل والمدمج التى تعنى كتابة وتصوير الخبر أو الموضوع وإعداده للنشر، ويتطلب ذلك التدريب على التصوير والإضاءة والمونتاج والإلقاء والتعليق وطبعا الكتابة، ثم أخيرا تحميل المضمون ومتابعته من خلال التفاعل والرد على تعليقات الجمهور، والعمل على متابعة وتحديث الموضوع بالصوت والصورة والكلمة المكتوبة. القصد يحتاج الصحفى إلى اكتساب عدد من المهارات الجديدة التى لا يستطيع العمل والمنافسة إلا من خلال اكتساب هذه المهارات وإتقانها، والسؤال الذى سيطرح نفسه هنا.. طيب وماذا سيفعل الصحفى الذى لن يتدرب ويكتسب هذه المهارات؟ الإجابة بوضوح ليس له مكان أو مستقبل وعليه أن يتقاعد أو يبحث عن عمل جديد. وهناك بلاشك أعمالا كثيرة تنتظر ديناصورات الصحافة الورقية من كبار السن مثلى وهو أن يعمل مستشارا إعلاميا لإحدى الهيئات، أو خبيرا أو مدربا إعلاميا، ولكن حتى هذه المهن ستتطلب نفس مهارات العمل فى الإعلام الجديد.
ومع ذلك أود أن أطمئن زملائى ديناصورات الصحافة بأن مقالات الراى ستبقى فى الإعلام الجديد وربما ستأخذ أشكالا جديدة «عدد كلمات أقل مع الاستعانة بأفلام أو صور إضافة للتفاعل مع الجمهور بعد نشر المقال»، لكنها ستبقى، من ناحية أخرى فإن عملية التحول فى مصر من الصحافة الورقية إلى صحافة المحتوى على الإنترنت ستكون بطئية وقد تستمر عشر سنوات على الأقل، وربما أكثر لأن هناك مقاومة وهناك رفض للجديد ودفاع غير مبرر على الصحافة الورقية، ولكى أقرب الصورة ساضرب مثالا بالسيارات ذاتية الحركة «تتحرك بدون سائق» التى من المتوقع انتشارها فى أوروبا والدول المتقدمة خلال ست سنوات، بينما هنا فى مصر وغيرها من الدول النامية فمن غير المتوقع انتشارها قبل 15 سنة على الأقلّ!! والأسباب كثيرة ولا مجال لشرحها لكنها باختصار هى المسافة بين مجتمع متقدم يعتمد على التكنولوجيا، وتقليل الاعتماد على القوى العاملة، وبين مجتمعات لاتصنع التكنولوجيا وتستوردها بشروط صعبة ومكلفة ماليا، وبالتالى من مصلحتها خلق فرص عمل لملايين العاطلين، إذن ليطمئن ديناصورات الصحافة المصرية، وأنا واحد منهم، فلن تتغير الأمور سريعا فى بيئة الصحافة الورقية وأمامنا عشر سنوات وربما أكثر، لأن هذا هو نهج التطور والتغيير فى مصر، كما أن فصيل من ديناصورات الصحافة مازال يسيطر على مراكز اتخاذ القرار وتحديد المسار المستقبلى للصحافة والإعلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة