«حليم قيمة حقيقية، استطاع أن يشكل عواطف كل إنسان رآه أو تعامل معه، فكان قريبا من كل شخص، يحب الناس ويبادلونه نفس الإحساس، كان محترفا يجيد التعامل مع كل عناصر الأغنية، وكان جريئا لا يخشى من أن يجرب أى لون جديد، فغنى العاطفى والوطنى والشعبى، وذكاؤه الفنى ورغبته فى أن يقدم كل ما هو جديد جعله يحاكى كل ما هو جديد ومعاصر».. هكذا تحدث الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودى على «العندليب الأسمر» عبدالحليم حافظ، حينما تم توجيه له سؤال فى إحدى المرات بذكرى رحيل المطرب الكبير.
«أحمد زكى استطاع بسمار بشرته وملامحه الجادة المرتسم عليها قصة كفاحه وعنائه، أن يكسر نموذج البطل شديد الوسامة، عانى كثيراً لكن بصبره وعزيمته وصل إلى ما أراد وحقق النجاح الذى طالما تمناه، وأصبح من عمالقة الفنانين، لأنه كان فنانا قادرا على الإقناع بأدائه الصادق».. هكذا كان يرى رفيق الصبان الناقد الفنى الكبير الراحل «النمر الأسود».
الكتابة عن اثنين من عمالقة الفن، بكل تأكيد يجب ألا تكون مرتبطة بحدث ما أو ذكرى وفاتهما أو ميلادهما، لكن بالنسبة لى ارتبط الأسبوع الأخير من شهر مارس بذكرى حليم وزكى، فالأول رحل عنا فى «30 مارس»، والثانى رحل فى «27 مارس».
منذ 10 سنوات، بدأت تمر ذكرى النجم الأسمر متزامنة مع ذكرى العندليب شريكه فى آلام المرض واليتم المبكر، وحتى الانتماء لبلد واحدة وهى محافظة الشرقية، تتأكد كلماته ورؤيته لفكرة الخلود والموت.
حينما تريد الكتابة عن حليم وزكى، فتجد القلم لا يجد كلاماً يعبر عنهما، فقد رحل جسداهما وبقيت أعمالهما الفنية خالدة معبرة عن أحلام أبداً لا تموت.
حليم وزكى ومعهم كل عباقرة الزمن الجميل فى الفن والرياضة والأدب والسياسة مثل مصطفى كامل وسعد زغلول وجمال عبدالناصر وأم كلثوم وسيد درويش ونجيب محفوظ وطه حسين ومحمد عبدالوهاب ومحمد فوزى وإسماعيل ياسين وصالح سليم ومحمود الجوهرى وغيرهم الكثير والكثير، فإذا كتبنا كل الأسماء لن نجد مساحة لاستيعابها، فهم أثروا ماضينا وحاضرنا بحالة مفعمة بالإبداع فى زمن نعانى فيه من غياب المواهب الفذة.
الأمثلة التى يجب أن يحتذى بها الشباب والأطفال فى زمن التطور التكنولوجى لم تعد موجودة من الأساس فى ظل ابتعاد المواهب عن المشهد، وظهور أنصاف المواهب الذين يتصدرون القمة وتسببوا فى إفساد الذوق العام، لدرجة إلى أنه إذا سألت الشباب عن الأسماء القديمة للأسف الشديد سترى صدمة كبرى بأنهم لا يعرفونهم.
هنا أؤكد أن العيب ليس على الشباب أو الأطفال وإنما على المحتوى المقدم لهم فى الفضائيات ووسائل الإعلام والسينما، فحينما تغيب القدوة عن الأجيال الجديدة، يظهر ما نراه حالياً على «السوشيال ميديا» من أجيال متعصبة لا تعرف المعنى الحقيقى للاختلاف فى وجهات النظر، بل وصل الأمر إلى ظهور أجيال لا تحترم الأجيال السابقة وجميعنا يرى الألفاظ المتداولة بينهم على مواقع «التواصل الاجتماعى».
ليس معنى كلامى حول الحال الذى وصلنا إليه فى الوقت الحالى، بأننا أصبحنا فى مجتمع سيئ، على العكس تماماً، بينما للتأكيد أنه يوجد مواهب كثيرة بين هذا الشباب، ولعل ما يفعلونه على «السوشيال ميديا»، دليل على ذلك، ولكن كيف نستغل هذه الموهبة فى النحو الأمثل للاستفادة حتى تصل فى يوم من الأيام إلى قدوة للأجيال المستقبلية؟!.
نحن نمتلك مواهب جديدة كثيرة فى كل المجالات، وخير مثال لابد أن يأتى فى ذهن أى شخص بالتأكيد سيتجه صوب محمد صلاح لاعب منتخبنا الوطنى والمحترف فى ليفربول الإنجليزى، بعد أن تحول بفضل موهبته وأخلاقه العالية إلى قدوة لكل الأجيال الحالية.. إذن الواقع يقول: «إذا توافرت عوامل النجاح.. سنجد الكثير من المواهب ستظهر فى مجتمعنا».
هنا يجب التأكيد على أن الصدق فى العمل والكفاح هما عنوان النجاح لك، فإن تجارب زكى وحليم ومعهم محمد صلاح خير دليل لك.. فقد عاشوا قصة كفاح مريرة، ساروا فى طريق ملىء بالأشواك، لكنهم رغم الصعوبات أصروا على أن يصلوا إلى كل ما أرادوه، ومشوا على خطوات ثابتة قادتهم إلى كل هذا النجاح.
نحن فى حاجة إلى ثورة إبداع للوقوف بقوة ضد ممكن يحاولون تدمير عقول شبابنا، حتى لا نستعيد أمجاد الزمن الجميل.. نحن بحاجة إلى ألف حليم وزكى وصلاح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة