عندما نقول الحرب فى سوريا نستدعى على الفور المعسكرين المتحاربين، الشرقى والغربى ومشروعاتهما المتناقضة ورغبة كل معسكر فى فرض مشروعاته بصرف النظر عن تدمير سوريا وتشريد الملايين من شعبها وسقوط مئات الآلاف من الضحايا والمصابين بالسلاح التقليدى، الذى يجرى توزيعه على الأهالى أو السلاح الكيماوى، الذى يجرى استخدامه من قبل العصابات التكفيرية، كنوع من آليات كسر نظام الأسد.
القتلى وحدهم يتصدرون المشهد، ليتم استخدامهم من قبل تجار الحرب على اختلاف مللهم ونحلهم وشركاتهم، قتلى القنابل الذكية والقنابل الغبية بادون أمام أعيننا، ومعهم ضحايا الصواريخ المحلية والصناديق المتفجرة وصواريخ أرض أرض والألغام وقذائف الهاون وغاز الأعصاب والصواريخ المحلية المحملة بغاز الأعصاب والمواد الكيماوية شديدة التلوث.
آلة القتل تعمل وستظل تعمل، وضمن دواليبها الأسلحة الكيماوية، ومنصات الأخبار المزيفة والصور المفبركة حول الضحايا لتحقيق انتصارات وهمية، خاصة من أنصار المعسكر الأمريكى ورعاة الميليشيات والعصابات المتطرفة والمرتزقة المسلحين، لكن هل يصل الأمر إلى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين العزل لتحقيق انتصارات سياسية أو عسكرية؟ نعم يصل الأمر بمجرمى الحرب إلى أكثر من ذلك، وكم رأينا فى هيروشيما وناجازاكى وكمبوديا وفيتنام والعراق ولبنان وفى سوريا الجريحة نفسها، رأينا السلاح الكيماوى وغازات الأعصاب والسارين فى خان شيخون وقبلها فى خان العسل بحلب الشهباء والغوطة الشرقية بتخوم دمشق.
المعسكر الغربى بقيادة واشنطن وعدد من الدول الأوروبية يستخدم التنظيمات الإرهابية والفصائل الكردية للسيطرة على المناطق، التى يريد عزلها عن إدارة بشار الأسد وتحويلها إلى دويلة أو دويلتين مستقلتين فى المدى المنظور، وهو يمد هذه الفصائل مثل جيش الشام وجبهة النصرة وفيلق الرحمن بالسلاح الخفيف والثقيل، التقليدى والنوعى، سواء كان سلاحا كيماويا أو مواد متفجرة شديدة الأثر مثل مادة السى فور.
والمعسكر الشرقى الذى يضم روسيا وإيران إلى جانب مؤسسات الدولة السورية من جيش وشرطة وأجهزة أمنية، يسعى منذ اندلاع الحرب قبل ست سنوات ألا تسقط الدولة السورية وصد كل أشكال الهجمات على المناطق والمحافظات أو فرض نوع من الدولة البديلة على أرض الواقع، وهو يستند فى ذلك إلى شرعية الدولة وسلطتها الرمزية وحقها السيادى فى الدفاع عن كامل أراضيها، وكذلك الدفاع عن وجود الدولة السورية فى المؤسسات الدولية رغم انحيازات هذه المؤسسات وعدم فاعليتها.
معسكر الولايات المتحدة فى سوريا يستند إلى قدرته على تحريك المؤسسات الدولية لتدور فى فلكه وتأتمر بأوامره وتجعل من وجهة نظرة الغالبة والأسهل بالحقيقة، كما يستند إلى قدرته الواضحة على صناعة رأى عام عالمى مزيف تجاه الأزمة السورية وفرضه من خلال الميديا، التى يسيطر عليها، ولنأخذ ملف الأسلحة الكيماوية واستخدامها فى الصراع، مثالا واحدا على قدرة واشنطن على التضليل والتزييف بشأن سوريا، فنظام بشار تخلص من مخزونه الكيماوى تحت سمع وبصر وبإشراف الأمم المتحدة، ربما لأنه تعلم مبكرًا من الدرس العراقى، ولأن من يدير الأمور فى المعسكر الشرقى هم الروس ويعرفون إلى أى مدى يمكن أن تذهب واشنطن حال فشلها فى فرض كلمتها على الأرض.
الحادث فعلا أن واشنطن فشلت فى فرض كلمتها على الأرض بينما يحقق المعسكر الشرقى والدولة السورية نجاحات متتالية فى استرداد القرى والمدن، التى كان يسيطر عليها تنظيمات الإرهاب، ومن ثم لم يعد بجعبة المعسكر الغربى إلا أن يدفع تابعيه من التكفيريين إلى استخدام الأسلحة الكيماوية، كما حدث سابقًا أكثر من مرة والتلويح بجر بشار الأسد وقيادات نظامه إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، حتى إذا فشل الخيار العسكرى فى تقسيم سوريا يمكن التفاوض بورقة المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة مجرمى الحرب للفصل فى مستقبل سوريا ونظامها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة