أسفرت الانتخابات الإيطالية عن نتائج مثيرة تحمل الكثير من التساؤلات والريبة بشأن الوضع السياسى الداخلى فى إيطاليا وكذلك للوضع داخل الاتحاد الأوروبى الذى يسعد لمواجهة حكومة شعبوية ربما مناهضة لمنطقة اليورو داخل ثالث أكبر اقتصاد فى أوروبا.
البوادر الأولى منذ إعلان نتائج الانتخابات التى فازت فيها حركة 5 نجوم، الشعبوية، بنسبة 32.22% من الأصوات وحزب رابطة الشمال اليمينى المتطرف، بنسبة 17.69%، تشير إلى اتجاه إيطاليا نحو مأزق سياسى على غرار ذلك، الذى واجهته ألمانيا فى انتخابات العام الماضى، لتشكيل حكومة ائتلافية.
بدأت أولى علامات هذا التوتر عندما أعلنت كلا من حركة 5 نجوم، المناهضة للمؤسسات، وائتلاف يمين الوسط بزعامة رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلسكونى، الذى حصل على 37%، فوزهم بدعم كافى لحق تشكيل حكومة، ذلك على الرغم من أى جميع القوى السياسية المتنافسة أخفقت فى الحصول على نسبة الأصوات الكافية لحشد أغلبية فى البرلمان تسمح بتشكيل الحكومة ومن ثم فعليهم التفاوض لتحالفات أخرى.
وتقول صحيفة وول ستريت جورنال أن حركة 5 نجوم تجاوزت التوقعات وباتت تبرز كأكبر حزب إيطالى، وقد حظيت بمتابعة كبيرة من خلال انتقاد السياسيين التقليديين فى إيطاليا ووصفهم بالفاسدين، غير أنها تعارض منذ مدة طويلة فكرة تشكيل تحالفات حاكمة مع أحزاب أخرى، ورغم ظهور بعض علامات المرونة مؤخرا، يرى العديد من المحللين أنه سيكون من الصعب تشكيل حكومة تقودها الحركة.
غير أنه من المحتمل أن تشكل حركة خمس نجوم حكومة مع مجموعة شعبوية أخرى هى حزب رابطة الشمال المناهض للهجرة، لكن مثل هذا التحالف الشعبوى، الذى قد يصيب النظام الإيطالى والأوروبى بالصدمة ومن المحتمل أن يشكل تحديا لقواعد الاتحاد الأوروبى حول السياسة الاقتصادية، يواجه عقبات سياسية بالنظر إلى الاختلافات الكبرى بين أيدلوجيات الأحزاب واستراتيجياتها السياسية حتى الآن.
ماتيو سالفينى
وبالإضافة إلى اليسار، فإن بيرلسكونى يعد أكبر الخاسرين فى هذه الإنتخابات، فعلى الرغم من أن ائتلاف يمين الوسط، الذى يتكون من 4 أحزاب بينهم حزبه، حصل على النسبة الأكبر من الأصوات، لكن حزبه "فورزا إيطاليا" لم يحصل سوى على 14% من الأصوات حتى أن شريكه فى التحالف زعيم رابطة الشمال، ماتيو سالفينى، تقدم عليه بفارق يتجاوز الـ4%. ومن ثم فإن التصويت يعكس إنقسام عميق فى البلاد.
وحقق حزب يمين الوسط نتائج كبيرة فى الأقاليم الشمالية الغنية، وهى المناطق التى شهدت جدلا مريرا بشأن المهاجرين، وفى الوقت نفسه حظيت حركة 5 نجوم نتائج قوية فى مناطق الجنوب، التى تشهد اعلى معدلات من البطالة فى أوروبا. وقد فازت الحركة بالفعل بنحو 50% من الأصوات فى مناطق مثل كامبانيا معتمدة على خطابها الخاص بمكافحة الفقر.
الرئيس الإيطالى سيرجيو ماتاريلا
وسيلتقى البرلمان الجديد للمرة الأولى فى 23 مارس المقبل ثم يبدأ بعدها الرئيس الإيطالى سيرجيو ماتاريلا مشاورات مع الأحزاب ليرى عما إذا كانت أى أغلبية قادرة على تشكيل ائتلاف حكومى معا، وتقليديا تتشاور أكبر كتلتين فى البرلمان معا غير أنه ليس من الواضح كيف سيتعامل الرئيس ماتاريلا مع المزاعم المتضاربة بين الـ5 نجوم ويمين الوسط بشأن أحقية كل منهما فى قيادة الحكومة.
ومن ثم يقع على الرئيس الإيطالى، حامى مؤسسات البلاد والشخص الأقوى حاليا فى ظل غياب الحكومة، مسئولية إيجاد الشخص المناسب لقيادة حكومة مستقرة يمكنها أن تحظى بتصويت الثقة فى البرلمان الجديد. وترى صحيفة نيويورك تايمز أن المهمة ليست سهلة، فأى حل لا يتضمن حركة 5 نجوم أو رابطة الشمال، سيثير تساؤلات بشأن الشرعية الديمقراطية.
وقال ماسيمو فرانكو، المعلق السياسى لدى صحيفة كورير ديلا سيرا، الإيطالية: "ماتاريلا لا يمكنه إستبعاد الشعبويين عن الحكومة". موضحا إنه فى حالة استبعاد 5 نجوم فإنهم سيقولون إنهم يحظون بضعف أصوات الرابطة، وإذا حدث العكس فإن الرابطة ستقول إن تحالفها يحظى بنسبة أعلى من الـ5 نجوم".
غير أن سالفينى، صاحب الـ44 عاما، أكد إن حزبه يمثل حاليا القوى التى تقود ائتلاف يمين الوسط، وأعرب عن إصراره أنه لن ينضم لتحالف مع حركة 5 نجوم، المناهضة للمؤسسات، على الرغم من أنهم يشكلا معا حكومة أغلبية، وبالمثل قال ماتيو رينزى، الذى أعلن إستقالته من رئاسة الحزب الديمقراطى الحاكم فى أعقاب نتائج انتخابية هى الأسوأ، إنه لن يسمح لحزبه الإنضمام لحكومة من المتطرفين المعادين للاتحاد الأوروبى.
وفى حال تعثر مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية، يمكن للرئيس الإيطالى أن يطلب من الأحزاب محاولة تشكيل تحالف عريض، وفى حال فشل هذا الحل، ربما يعود الإيطاليون إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى خلال الأشهر المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة