ماذا يحدث إذا أعلنت إيران تخليها عن سياساتها العدائية ضد دول الخليج، وقبلت الدعوات المتكررة من العقلاء فى المنطقة لفتح صفحة جديدة، تعيد من خلالها الهدوء والاستقرار إلى المنطقة، أليس منطقيا أن تكون إيران وهى جزء مهم من المعادلة الإقليمية؛ عنصرا للبناء وليس للهدم!.
أعلم أن ما أقوله ربما يصنف كونه خيالا جامحا وصعب التحقق، خاصة أن الأيام تثبت لنا أن طهران مستمرة ومتمادية فى سياستها التى جلبت عليها غضب جيرانها الخليجيين، سواء بدعم المعارضة الشيعية فى البحرين، والحوثيين المتمردين فى اليمن، ومحاولة بث الفتن فى المنطقة الشرقية بالسعودية، وغيرها من القضايا والملفات التى تتداخل فيها إيران بشكل ما أو بآخر، بما يضر بالأمن القومى العربى عموما، والخليجى خاصة.
وربما تكون الخلية التى أعلنت البحرين عن القبض عليها السبت الماضى، خير دليل على استمرار النهج الإيرانى المعادى للجميع، فالمنامة أحبطت مخططات إرهابية وإلقاء القبض على 116 عنصرا مدعومين من إيران، وقالت الداخلية البحرينية «ضمن جهود مكافحة الإرهاب وحفظ أمن الوطن والتصدى للتدخلات الإيرانية فى الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، تمكنت الأجهزة الأمنية، وفى إطار تنسيق أمنى، من إحباط عدد من الأعمال الإرهابية والقبض على 116 من العناصر الإرهابية، تنوعت أدوارهم فى التخطيط والإعداد وتنفيذ الأعمال الإرهابية، ما بين ناقل للعبوات المتفجرة ومنفذ ميدانى، فضلا عن تولى عدد منهم مسؤولية تصنيع ونقل وتخزين المواد المتفجرة، ودلت التحريات أن هذه العناصر تنتمى إلى تنظيم إرهابى، عمل الحرس الثورى الإيرانى على تشكيله من خلال توحيد عدة تنظيمات إرهابية وجمعها فى إطار واحد».
هذه الخلية بما تحمله من تفاصيل كثيرة هى واحدة من عشرات بل مئات القضايا التى تم الكشف عنها مؤخرا ليس فقط فى البحرين، وإنما فى السعودية، حتى فى الكويت التى ترتبط بعلاقات جيدة معها، لم تسلم من التدخلات الإيرانية، بعد الكشف عن خلية تجسس إيرانية، فكل هذه القضايا وغيرها تؤشر على أن النظام الإيرانى ماض فى مخططاته دون خط رجعة، وزاد من ذلك المساندة التى تقدمها طهران لنظام تميم بن حمد فى قطر، فى مواجهة الرباعى العربى «مصر والسعودية والإمارات والبحرين»، وحتى تستمر الدوحة فى دعم الميليشيات الإرهابية فى المنطقة.
رغم كل ذلك لازلت أحلم بأن تأخذ إيران خطوة فجائية، بالنظر إلى مصالحها التى تشهد حاليا تدهورا فى المنطقة، وحتى تتجنب أى تصعيد عسكرى محتمل، خاصة أن الأمور من الممكن أن تصل لهذه المرحلة فى أى وقت، فى ظل استمرار التهديدات الإيرانية خاصة ضد المملكة العربية السعودية، لذلك قد يكون من المناسب لإيران الآن أن تعيد دراسة الموقف من جديد، وتعيد تقييم الوضع بما يتلائم مع التطورات الجديدة، أخذاً فى الاعتبار أن حالة النشوة التى كانت تسيطر على إيران فى أعقاب التوقيع على الاتفاق النووى، بعدما تعهد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بإعادته مرة أخرى إلى نقطة الصفر.
وربما يصل الأمر إلى خروج واشنطن من هذا الاتفاق، مما سيعيد إيران إلى المربع صفر مرة أخرى، وهو ما يستلزم من إيران البحث عن مخرج جديد، وهذا المخرج لا يجب أن يكون بعيدا عن الإطار الإقليمى، لأن جيران إيران هم وحدهم من يملكون مساعدتها ومساندتها إن واجهت مشاكل، لذلك عليها أن تعيد تقييم الموقف وتستعيد الود المفقود مع جيرانها خاصة الخليجيين.
قد يكون الإيرانيون يفكرون فى الأمر بهذه الطريقة، وقد لا يفعلون ذلك، لكن أيا كان الأمر فإن إيران مقبلة على أزمة كبرى إقليميا ودوليا، ولا يجب أن تطمئن كثيرا كونها استطاعت قتل الاحتجاجات الداخلية فى المهد، لأن الوضع قد يتكرر مستقبلا لكن بقوة أكبر.
وهنا لن يستطيع نظام الملالى فى إيران الصمود كثيرا، خاصة أن الإيرانيين يدركون جيدا أن فاتورة الإنفاق الخارجى على أذرع إيران فى اليمن وسوريا ولبنان والبحرين وغيرها من الدول أصبحت باهظة ومرهقة للموازنة الإيرانية، لذلك فإن المستقبل قد يحمل الكثير من المفاجآت لإيران إذا لم تخفض نفقاتها الخارجية، وتستعيد علاقاتها مع جيرانها، وأن تتنازل عن أطماعها الخارجية والإقليمية، وهذا هو التحدى الذى يواجه إيران حاليا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة