من الخطأ الشديد الاعتقاد بأن القضاء على الإرهابيين يعنى القضاء على الإرهاب واستئصال شأفته، بل يحتاج القضاء على الإرهاب وطى صفحته بشكل كامل إلى تدابير كثيرة، وعمل دؤوب حتى لا تنبت جذوره السرطانية أجيالًا جديدة، ربما يكونون أشرس وأشد إرهابًا من سلفهم.
وهذه التدابير من وجهة نظرى، وربما يعرفها أهل الاختصاص السياسى والاجتماعى والأمنى والعسكرى أكثر منى، تتمثل أولًا فى تشخيص الأسباب الحقيقية للإرهاب، وتصحيح الصورة النمطية التى تدور حولها جهود مواجهة الإرهاب ولا سيما فى وسائل الإعلام، ولعل أول ما يجب تصحيحه هو نسبة التطرف والإرهاب بشكل حصرى فى بعض البلاد العربية المسلمة إلى المناهج التعليمية، وبعض جماعات محلية لها مطامع سياسية، فأسباب ظهور هذه الظاهرة البغيضة كثيرة ومتنوعة ولا يمكن ردها إلى التعليم والسياسة فقط، فمع أهمية المناهج التعليمية المقررة على النشء والشباب فى المدارس والمعاهد والجامعات، وضرورة التأكد من تنقيتها وخلوها من أى أثر يمكن أن يستغل من قبل صناع الإرهاب كذرائع ومسوغات يستخدمونها دون اعتقاد منهم بصحة ما يروجون له أو حتى فهمه فهمًا خاطئًا كما يدعى بعض الناس، وكذا التأكد من مواكبتها للعصر ومستجداته، وقدرتها على علاج مشاكل الناس وتيسير أمور حياتهم، مع كل ذلك فإن نسبة التطرف والإرهاب إلى المناهج التعليمية بعيدة عن الواقع.
كما أن قصر الإرهاب على جماعات محلية لها مطامع سياسية خلقت مشكلات مع حكوماتها ومجتمعاتها يعد تقزيمًا للمشكلة، صحيح أن هذه الجماعات لا يمكن تبرئتها من الإرهاب، بل إن الشواهد تؤكد ضلوعها فيه سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، لكن قصر الإرهاب عليها تكذيب للواقع وتعمية عن حقيقة الإرهاب وطبيعة القائمين عليه سواء المخططون والمدبرون أو المنفذون الذين يباشرون العمليات الإرهابية الخسيسة، حيث تمكن رجالنا البواسل من قوات الجيش والشرطة من الإمساك بعناصر أجنبية خلال عملية الثأر لشهدائنا فى الواحات، وفى أثناء العملية المباركة «سيناء 2018م»، مما يعنى أن المسألة أكبر كثيرًا مما يتحدث به المتحدثون.
ومن ثم، فإنه من المهم لاتخاذ مواقف صحيحة تصب فى صالح القضاء على هذا الشر المستطير الذى ابتلينا به واستئصال شأفته، الكشف بكل وضوح عن أسباب الإرهاب الحقيقية كاملة، وفضح صناعه ومموليه وداعميه مهما كان حجمهم ونفوذهم، لنعرف عدونا من صديقنا، ونحذر كل الحذر فى تعاملنا مع هذه الدول التى تريد بنا وببلادنا شرًا.
ومن بين هذه التدابير الضرورية لتجفيف منابع الإرهاب واقتلاعه من جذوره، استمرار التصدى الفكرى الذى يفتت القواعد والأيديولوجيات التى تنطلق منها الجماعات الإرهابية، ويتتبع شبهاتهم التى يستقطبون بها الشباب ويفندها ويبين بطلانها، وذلك من خلال المناهج التعليمية والمنابر الدعوية والإعلامية والثقافية. ولعله من البديهى فى هذا السياق القول بأهمية استمرار الملاحقة الأمنية ومتابعة العناصر المحتمل تورطها وانخراطها فى الأعمال الإجرامية.
ومن المهم فى هذا الإطار أيضًا تضافر جهود المؤسسات المعنية من أجل حل المشكلات التى تجعل الشباب صيدًا سهلًا للوقوع فى براثن الجماعات الإرهابية التى تبحث عن منفذين لمخططاتهم الإجرامية، ومن أهم هذه المشكلات البطالة والجهل والفقر والمرض والشعور بالظلم والتهميش، بالإضافة إلى ضرورة العمل الحثيث على تلافى عوامل الإحباط وانسداد الأفق ونقص الوعى وضعف الانتماء الوطنى بين الشباب خاصة.
وثمة نقطة قد يقبلها بعض الناس ويرفضها آخرون، لكن ربما يعيها ويضعها فى إطارها الصحيح أساتذة علم النفس الاجتماعى وعلم الاجتماع السياسى، وهى استيعاب واحتواء الأسر التى انخرط أحد أقاربهم فى الإرهاب وقُتل أو سُجن نتيجة ارتكابه جرائم إرهابية، فلا يخفى أن لهؤلاء الإرهابيين أسرًا تتكون من زوجات وأبناء وإخوة وأخوات وآباء وأمهات، وغير ذلك من صلات القرابة، ولا يعنى تورط بعض المنتمين لهذه الأسر فى الإرهاب بالضرورة أن الأسرة كلها كذلك، بدليل أن هناك عائلات تتبرأ من أبنائها أو المنتمين إليها بأى درجة قرابة متى ثبت تورطهم فى الإرهاب، بل ترفض أسر تسلم جثث أبنائها بعد قتلهم على أيدى قوات الجيش أو الشرطة، لكن فى المقابل، وهذا هو الغالب فى ظنى، هناك مَن لا تمنع جرائمهم حب أهلهم لهم وحزنهم عليهم إن أصابهم مكروه أو أذى من وجهة نظرهم، وأفراد هذه الأسر يمثلون بيئة خصبة وصيدًا سهلًا لجماعات الشر التى تستغل قتل أحد الإرهابيين المنتمين لهذه الأسر وحزن أهله عليه، ولو كان حزنًا دفينًا فى الصدور، لتجنيد أحد أقاربه لمواصلة مسيرته الإجرامية بحجة الانتقام ممن قتلوه فى زعمهم.
وعليه، فإنه من المهم فى نظرى إيجاد طريقة ما لاحتواء هؤلاء القرابة دون أن يمنع ذلك أن أقاربهم أخطأوا خطأ فادحًا حين سلكوا طريق الإرهابيين، لكنهم لن يؤخذوا بجريرتهم تطبيقًا لقول الله تعالى: «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ»، ولقوله سبحانه: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ»، بالإضافة إلى أن احتواء الدولة لهذه الأسر باعتبارهم مواطنين غير متورطين فى الإرهاب لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات، ليس فقط يمكِّن الدولة من قطع الطريق على صناع الإرهاب من الوصول إليهم وتجنيدهم لاستكمال مسيرة ذويهم، وإنما يمكِّنها كذلك من متابعتهم عن كثب للتأكد من سلامة فكرهم وعدم تأثرهم بفكر مَن تورط من قرابتهم فى الإرهاب.
حمى الله مصرنا الحبيبة وسائر بلاد المسلمين من شر المفسدين فى الأرض المحاربين لله ورسوله، ووفق مؤسساتنا المعنية كافة فى القضاء على الإرهاب عرضًا ومرضًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة