إبراز المزايا ومعالجة العيوب من أهم مزايا أى مدير ناجح، وفى الحقيقة فإنى أرى أن وزير الثقافة فى مصر من أكثر وزراء الثقافة فى العالم حظا، ستسألنى: كيف وحال الثقافة فى مصر لا يخفى على أحد؟ كما أن الإمكانيات المادية لوزارة الثقافة فى مصر من أقل ما يكون مقارنة بما يتوافر للبلاد الأخرى؟ وسأقول لك السبب الآن، وهو أن مصر تمتلك ما لا تمتلكه أية دولة أخرى فى المنطقة من عوامل «القوة الناعمة»، لكننا، للأسف، لا نحسن استغلال هذه القوة، ولا نحسن توظيف هذه العوامل المؤثرة فى وجدان العالم العربى كله، وما يلى أكبر دليل على هذا الإهدار.
لا خلاف على أن بمصر العديد من العبقريات المؤثرة عالميا، ومن أجمل هذه العبقريات وأعظمها سيدة الغناء العربى أم كلثوم، وللأسف فإن أقمنا متحفا لأم كلثوم لم نعتن بهذا المتحف حق عنايته، وللأسف أيضا فإن اعتناءنا بأم كلثوم ينقصه الكثير من الاحترافية والعلمية، فلم تكن أم كلثوم على عظمتها وعظيم موهبتها «حالة فردية» لكنها كانت تلخيصا مدهشا للعديد من العبقريات الموسيقية السابقة واللاحقة لجيلها، فهى ابنة شرعية لنهضة الموسيقى العربية بكل تجلياتها، وكل روافدها، وكل ميراثها، ولولا وجود موسيقيين أفذاذ مثل الشيخ زكريا أحمد والموسيقار محمد القصبجى والموسيقار رياض السنباطى وغيرهم لما حظيت أم كلثوم بكل التألق وكل هذه السيادة، فما الذى فعلناه من أجل هؤلاء العباقرة؟ وما الذى أقمناه تخليدا لذكرى هؤلاء العظماء؟
للأسف تركنا تراث هؤلاء العباقرة المادى يضيع بين الإهمال والاتجار، فصار عاديا أن نسمع أن أحد أعواد محمد القصبجى فى دولة عربية مع ثرى عربى، بينما عود آخر مع أحد الهواة فى الغرب، بينما أعواد كل من السنباطى وزكريا أحمد فى حوزة عائلتهما، أما من سبقهم من العظماء، فالأمر أكثر من مدهش، فأعواد سيد درويش موزعة بين المركز القومى للمسرح ومكتبة الإسكندرية وبيته فى شبرا وبيت حفيده الفنان الكبير إيمان البحر درويش، كما يوجد عود للفنان داود حسنى فى المركز القومى للمسرح، ويوجد عودان للفنان الرائد صفر على بحوزة ابنه الفنان، واللواء مساعد مدير أمن القليوبية أيمن صفر على، وبجمعية محبى الفنان فريد الأطرش أحد أعواده، وببيت الفنان الموجى الصغير ابن الموسيقار محمد الموجى عودان أحدهما لعبد الحليم حافظ والآخر لوالده الموسيقار الكبير، فمن يجمع هذا الشتات سوى وزارة الثقافة؟
اقتراحى هنا يتلخص فى جمع هذا الشتات من تراثنا الموسيقى المتناثر فى متحف واحد، وليكن بعنوان متحف رواد الموسيقى، والمكان جاهز بالمناسبة، وهو قصر السكاكينى الذى قالت عنه وزارة الآثار، إنها لا تحتاجه الآن، وهو من وجهة نظرى أنسب مكان لإقامة هذا المتحف، لأنه يقع فى مكان شهير فى تاريخ الموسيقى بجانب شارع الخليج المصرى، كما أن طرازه المعمارى المبهر يتماشى مع جلال هذا العصر المهيب وعظمته وتاريخه.