مع بداية أبريل من كل عام، يكون أول ما يأتى من المزاح إلى الشخص "كذبة"، تعرف فيما يسمى بـ"كذبة أبريل"، ورغم أن ذلك اليوم لا يمثل يومًا عالميًا أو احتفالاً بالمعنى المعروف، لكنه يوم اعتاد الناس فيه على الاحتفال وإطلاق النكات وخداع بعضهم البعض، باعتبار هذه المزحة.
وفى التاريخ الإسلامى، ذكر ما عُرف تاريخيًا بـ"التعريض فى الإسلام"، وفى زمن استغلت فيه الجماعات الإسلامية المتشددة، مواقف وقصصا تاريخية منقولة عن الرسول (ص) والصحابة، لإعطاء صبغة شريعية لخلافاتهم مع الدولة، وفى عملياتهم الإجرامية.
من ضمن تلك الوقائع الخاصة بالتعرض ما تم ذكره عن النبى (ص)، "عندما خرج إلى (بدر) وخلال مروره وقف عند شيخ من العرب، فسأله عن محمد وقريش وما بلغه من خبر الفريقين، فقال الشيخ: لا أخبركم حتى تخبرونى من أنتم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أخبرتنا أخبرناك، قال الشيخ: خبرت أن قريشا خرجت من مكة وقت كذا، فإن كان الذى خبرنى صدق، فهى اليوم بمكان كذا ـ للموضع الذى به قريش، وخبرت أن محمدًا خرج من المدينة وقت كذا، فإذا كان الذى خبرنى صدق، فهو اليوم بمكان كذا ـ للموضع الذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: من أنتم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء ثم انصرف. وجعل الشيخ يقول: نحن من ماء!! من ماء العراق أو ماء كذا أو ماء كذا،" ويرجع البعض ذلك لقوله سبحانه وتعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حى".
الباحث فى الشئون الإسلامية هشام النجار، يقول: إن قيام الرسول بالواقعة السابقة، كان فى سياق "الحرب خدعة"، وأنه كان فى موقف الزعيم السياسى وليس الروحى، وكان يمثل رجل الدولة وقائد الجيش.
وأضاف "النجار" فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن السياق الذى قام به الرسول كان من أجل نصرة الأمة والدولة التى كونها ضد الأعداء، وليس كما يقوم به الجماعات الإسلامية ويشرعنوا به أعمالهم ضد الدولة، فهم ليسوا فى موقف الرسول بل إنهم جماعات داخل الدولة وليسوا الدولة نفسها.
أما سامح عيد الباحث فى الشئون الإسلامية فقال: إن التعريض ليس كذبا، ويعتبر درجة أقل من الكذب، ويستخدم للتمويه أو التلميح، كما حدث مع الرسول "ص" أثناء خروجه فى بدر (الواقعة السابق ذكرها).
كما ينسب لإمام "النووى" قوله: فلا بأس بالتعريض، فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة: فهو مكروه وليس بحرام، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حرامًا.
وبحسب معجم المعانى فكلمة "تعريض" مصدر عَرَّضَ، مثال (فَهِمَ مِنْ كَلاَمِهِ تَعْرِيضًا بِهِ): تَلْمِيحًا مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ.
غير واقعة الرسول السابقة، يكثر الحديث ويشكك البعض، بأن صحابة النبى محمد (ص)، كان يكذب بعضهم بعضًا، مستدلين بما روى عن عروة بن الزبير، عندما قال، قال لى أبى الزبير: أدنى من هذا اليمانى- يعنى أبا هريرة رضى الله عنه- فإنه يكثر الحديث عن الرسول (ص)، قال: فأدنيته منه، فجعل أبو هريرة يحدث، وجعل الزبير يقول: صدق، كذب، صدق كذب، كما كذب أبو بكر الصديق المغيرة بن شعبة فى حديث ميراث الجدة، وكذب عمر أبا موسى الأشعرى فى حديث الاسئذان ثلاثا، وطلبا منهما شاهدا حتى يصدقاهما، كذلك فقد رد بعض الصحابة أحاديث صحابة آخرين، كما فعل عمر فى حديث فاطمة بنت قيس عن طلاقها من زوجها إذ قال "لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندرى أصدقت أم كذبت".
ويفسر الباحث هشام النجار، ذلك بأن الصحابة كانوا يختلفون فيما بينهم، لكن هذه الخلافات فى أساسها خلافات سياسية، وكانوا يفصلون ما بين طبيعة الخلاف بطبيعته سياسى أم عقائدى، مشيرًا إلى أن الصحابة لم يكفروا بعضهم مثلما يقوم الجماعات المتشددة الآن.
حديث "النجار" يتفق إلى كبير، فيما ذكره موقع الفتاوى الإسلامى "بيان الإسلام"، والذى أكد أن رد بعض الصحابة عن أحاديث نقلها صحابة آخرين، ليس تكذيبًا، وإنما وقع ذلك بسبب الاختلاف فى فهم الأحاديث، أو عدم علم الراوى بنسخ الحديث الذى يرويه، ويدل على ذلك قول عمر بن الخطاب لأبى موسى الأشعرى، ردا على الواقعة السابق ذكرها "أنا إنى لم أتهمك لكنه الحديث عن الرسول (ص)".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة