آخر لقاء معه كان بالمصادفة من شهور، فى وسط البلد مع أصدقاء مشتركين قبل أزمته الصحية الأخيرة، التى رحل على أثرها، وتعامل معها بقدر كبير من الرضا والتسامح كعادته، كان لقاء يتسم بالود، قبل أن تفاجئنا أنباء مرضه.
طارق حسن ترك أثرا فى كل من تعامل معه مهنيا وإنسانيا، فقد كان يمتلك قدرا من الاستقلالية ويعبر عما يقتنع به، بصرف النظر عن آراء الآخرين، وفى نفس الوقت يتقبل المختلفين معه بمساحات من الود والتسامح، متمسكا بآرائه، يعبر عنها بقناعة ويسعى للبرهنة على أفكاره وتوثيقها من دون أن يلجأ لنفى الآخر أو التجاوز واستعمال أسلحة غير مقبولة.
مهنيًّا تنقل طارق حسن فى العديد من التجارب الصحفية المتنوعة، أضاف إليها وتعلم منها، بدءا من جريدة الشعب الحزبية، ثم الأهرام، وروزاليوسف، حيث ساهم فى تأسيس روزااليوسف اليومية مع الراحل عبد الله كمال. وتولى رئاسة تحرير الأهرام المسائى عام 2008، حتى أجبر على ترك موقعه فى مارس 2011، فى فترة صعبة ومرتبكة حكمتها العواطف. وتم منعه من الكتابة بعد إجباره على ترك موقعه.
وتشهد تجربته المهنية وشهادات من عملوا معه بأنه كان يقدم المهنية على الاختلاف، وكثيرا ما صعّد مختلفين معه فى الرأى إلى مناصب تحريرية يستحقونها، وهو بهذا كان نموذجا مهما للقادرين على الفصل بين الخبر والرأى، وأسهم طارق حسن فى نقلة صحفية ومهنية لجريدة الأهرام المسائى، فى الشكل والمضمون، وضاعف من أرقام التوزيع، الأمر الذى جعله مستحقا لمنصبه، عن جدارة، خاصة أنه جاء بعد فترة عانت منها «المسائى» من ترهل وتراجع.
وسواء قبل تولى منصبه أو بعده، ظل كاتبا مستقلا صاحب نكهة وطعم وأسلوب، فى التحليل والتفكير، وترك «أرشيفا» من الكتابات والكتب والمعارك، تشير إلى أن ما يبقى من الكاتب هو أفكاره ومواقفه، ولطارق حسن من كل هذا نصيب كبير.
عمل طارق حسن مراسلا لجريدة «الأهرام» بقطاع غزة وأول مدير لمكتب المؤسسة بالأراضى الفلسطينية، وهو من أبرز محررى الشؤون العربية وتحديدا ملف القضية الفلسطينية.
على مستوى الرأى، كان كثيرا ما يتبنى آراء مختلفة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وسياسيا كان ينحاز لنظام مبارك، وأحد الذين راهنوا على أفضلية الإصلاح من الداخل، بصرف النظر عن صحة موقفه، فقد كان يفعل ذلك عن قناعة، ويدخل فى مناقشات وحوارات التزم فيها دائما بقواعد الخلاف، ولم ينقلب ليغير جلده مثل كثيرين حاولوا إعادة كتابة التاريخ، وبدلوا مواقفهم بينما يفضحهم الأرشيف.
لكل هذا فإن طارق حسن يمثل نموذجا للكاتب والصحفى الذى يعبر عن قناعاته، ويتقبل الاختلاف بصدر رحب، ومن دون مزايدة أو ادعاء، وهو أمر يظهر من حجم الحزن، والكلمات التى عبر بها أصدقاء وزملاء طارق، ممن لم يكونوا متفقين معه أو مختلفين، لأن الإنسانية هنا والتسامح والمهنة، كانت تنتصر على ماعداها، وهو هنا استمرار لأجيال مختلفة من الصحفيين كانوا قادرين على التعايش وسط خلافاتهم، ومن دون لجوء إلى التفكير أو التعصب الأقرب لتشجيع كرة القدم.
ترك طارق حسن حزنا كبيرا فى أوساط الصحفيين والمثقفين، وسيرة مهنية وإنسانية محترمة، يستحقها، ظهرت فى كلمات من رثوه وأعلنوا حزنهم عليه، وحكوا مواقف تؤكد إنسانيته وتسامحه، ثم إنها تجدد التساؤلات الحزينة، عن السبب الذى يجعل تذكر الخيرين بعد رحيلهم، وليس فى حياتهم حيث يمكن للكلمة أن تداوى جراحا.
طارق حسن ترك أثرا فى كل مكان وجد فيه، ومع كل شخص عمل معه، اختلف مع كثيرين واختلفوا معه، لكنه احتفظ دائما بمساحات ممتدة من الود والصدق والتسامح وضعته فى مكانة، ليثبت أن السيرة الطيبة والأفكار تعيش مهما كان الاختلاف والاتفاق حولها، أن ينطلق الواحد من موقف ثابت ويتقبل المختلفين معه ويتقبلوه فيصير قادرا على نسج علاقة عابرة للأفكار، وربما يكون هذا هو ما نفتقده فى واقع يقوم على الاستقطاب.
رحم الله طارق حسن.. فقد ترك أثرا إنسانيا فى كل من تعاملوا معه، وأثبت أن السيرة الطيبة عابرة للخلافات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة