منذ أن أعلنت روسيا سحب كثير من قواتها فى سوريا مارس 2016 ثم سحب جزء آخر من القوات فى ديسمبر 2017 تدور فى دوائر صنع القرار بالعاصمة موسكو، أحاديث ومقترحات حول ضرورة أن تُحمّل روسيا، إيرانَ منفردة مسئولية حماية الأمن وحفظ مكتسبات مرحلة ما بعد تثبيت الرئيس السورى بشار الأسد على رأس السلطة فى دمشق.
هل يمكن أن تفعلها إيران؟
فمن جانبه نادى، تيموفى بورداتشيف، مدير البرامج فى منتدى "فالداى"، بضرورة أن تتحمل إيران مسؤولية حفظ الأمن فى سوريا وأن تتحول روسيا إلى أداء دور آخر يختلف عن المهام العسكرية الصلبة التقليدية، وذلك بأن تتحول إلى منبر للفكر وتفريخ السياسات بدلا من اضطلاعها بمهام حفظ الأمن على النحو الحالى.
وأردف بورداتشيف فى مقابلة صحفية مع جريدة "موسكوفسكى كومسوموليتس" واسعة الانتشار، قبل توجهه إلى العاصمة الإيرانية طهران لحضور مؤتمر دولى حول سياسات الشرق الأوسط أنه الميزة الاستراتيجية لروسيا من تصرفاتها فى سوريا مهمة للغاية ولا تقاس بالنفوذ فى المنطقة فقط، بعد أن حلت روسيا فى سوريا بنجاح مهام تحديد مواقعها فى العالم ككل، ومن الأفضل بالنسبة لروسيا أن تأخذ إيران ذلك على عاتقها.
ولفت الخبير السياسى إلى أنه لا يجب أن يقتصر حضور روسيا فى المنطقة على القوة العسكرية، إنما ينبغى أن تحضر روسيا كمركز فكرى ومن المهم بناء حوار منتظم مع كبار الخبراء فى البلدان الشريكة الأكثر أهمية، فى إشارة منه إلى إيران، وفُهم من توجهات بورداتشيف مطالبة صريحة للرئيس بوتين بأن يلقى بأعباء الأمن السورى على إيران وينخرط فى عملية انسحاب تكتيكية.
شراكة روسيا وإيران
فى الأشهر الأخيرة عاد السؤال القديم مجددا، عن العلاقات الروسية ـ الإيرانية، هل هى شراكة استراتيجية أم تحالف مصالح وقتى؟ الواقع الذى يعرفه أى متخصص فى العلاقات الدولية بوجه عام أو متخصص فى الشؤون الإيرانية على وجه الخصوص أنه ما من حقبة من حقب التاريخ اتصفت فيها العلاقات بين موسكو وطهران بالمستوى الاستراتيجى حتى بعد التنسيق فى سوريا وعدد آخر من الملفات.
والأسباب التى تحول دون حدوث شراكة استراتيجية بين موسكو وطهران كثيرة وأكثر من أن تحصى، ولا تتوقف فقط عند حدود العداء التاريخى المتجذر ولا حتى عند التقاطع الأيديولوجى بين الفكرين الشيوعى الروسى والإسلامى الشيعى الإيرانى بل تتجاوز ذلك إلى أسباب تتعلق بالجغرافيا والسياسات الدولية وعلاقات إيران فى محيطيها الإقليمى والدولى.
ولذلك يرى خبراء العلوم الاستراتيجية الروس أنه من المتعذر اعتبار روسيا وإيران حليفتين بالمعنى التقليدى للكلمة، فالجمهورية الإسلامية تعتز بسيادتها وهى محافظة فيما يتعلق بالمشاركة فى التكتلات والتحالفات، لذا، فإن روسيا وإيران، إلى حد ما، لا تعتبران شريكتان استراتيجيتان، لأن الاختلاف فى عدد من الملفات يفوق الاتفاق فى ملفات أخرى.
التقاء المصالح واختلافها
ردا من جانبه على سؤال أين تلتقى مصالح موسكو وطهران الجيوسياسية وأين تفترق؟ لفت تيموفى بورداتشيف إلى أن العلاقات بين الدول ذات طبيعة ومحتوى، إذا كانت طبيعة العلاقات غير عدائية، فمن السهل حل المشكلات التكتيكية، كما هى حال العلاقات بين روسيا وإيران، وهو ما يعنى مجددا أن العلاقات بين الدولتين تربطها مجرد المصالح الوقتية وليس التحالف الاستراتيجى بعيد المدى.
وبالعودة إلى السؤال الجوهرى، وهو هل يمكن لإيران تحمل أعباء أمن سوريا منفردة؟ فإن الأجابة المنطقية هى أن إيران فعلت ذلك فى العراق سابقا كنتيجة لتدمير نظام صدام حسين، بعد الغزو الأمريكى بالعام 2003 وبعدها أصبحت إيران القوة الإقليمية الداخلية الرئيسية فى الشرق الأوسط، وانسحب ذلك إلى لبنان واليمن وسوريا وجنوبى فلسطين وسوريا بطبيعة الحال.
مع كل ذلك فإن خبرة السنوات الأخيرة تشير إلى أن الانخراط الإيرانى فى كل الدول التى تدخلت فيها لم يقدم نتيجة أمنية إيجابية، بل العكس تطور أمن تلك الدول من سيئ إلى أسوأ ثم كارثى وما سيناريوهات الانقلاب الحوثى فى اليمن وداعش فى العراق وسوريا وحركة الصابرين فى غزة عنا ببعيدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة