استبعدت أن تلجأ الولايات المتحدة لتوجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، لكن أما وقد فعلتها فجر أمس بتوجيه مجموعة من الصواريخ تجاه أهداف قالت إنها بها أسلحة كيماوية، فللأمر الآن حسابات أخرى، وقراءات مختلفة.
فى البداية فإن واشنطن تقول إنها نسقت فى موضوع الضربة مع بريطانيا وفرنسا ولم تنسق مع روسيا، فى حين أن عسكريين روس قالوا إن البنتاجون أبلغهم بالمواقع المستهدفة قبل الضربة، وشخصياً أميل لهذا الرأى، لأن التحركات على الأرض خلال الساعات التى سبقت الضربة كانت تقول إن روسيا لديها علم بما سيحدث، وأخلت الموقع من عسكرييها وكذلك الجيش السورى، والدليل أن الخسائر فى سوريا لا تقارن مطلقاً بحجم الصواريخ التى أطلقتها الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة أخذت المبادرة لكن لا أعتقد أنها ستسير فى الطريق لنهايته، فهى قامت بتحريك الأمور، لا حسمها، هى قالت أمس بعد الضربة إنها لا تستهدف ضرب النظام السورى، بل شل يديه ومنعه من استخدام الأسلحة الكيماوية المزعومة مستقبلاً، وهو ما يؤكد أن واشنطن لا تريد حرباً فى سوريا لعدة أسباب، وأن ضرباتها فجر أمس لا تختلف عما قامت به إسرائيل قبل أيام بتوجيه ضربة جوية لمواقع عسكرية سورية، فكلهم يسيرون خلف هدف واحد وهو تحريك الأمور وليس وضع نهاية لها.
فى المجمل لا يمكن وصف الضربات الأمريكية بأنها إعلان حرب، لأن قرار الحرب لم ولن يصدر، لأن دونالد ترامب نعم جرىء لكنه فى المواجهة السياسية وليس العسكرية، وهو دائماً يبحث عن تحقيق المكاسب الاقتصادية، وهو يدرك أن قرار الحرب لن يحقق له المكاسب التى يتمناها بل سيرهق الموازنة الأمريكية، حتى إن حصل على أموال من دول ترغب فى إزاحة نظام بشار الأسد، لكنها أبداً لن تكون كافية لطموح ترامب.
الأمر الآخر أن إدارة ترامب لم تكتمل حتى الآن، فهناك الكثير من المناصب لاتزال شاغرة، كما أن مايك بومبيو، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «CIA» ومرشح ترامب لمنصب وزير الخارجية، لم يحصل حتى أمس على موافقة الكونجرس الأمريكى، وإذا حصل عليها فإن ترامب بحاجة إلى ترشيح شخص بديل له فى الـCIA، ومع اعترافنا بأن ترامب يفضل القرارات الفردية، لكنه ليس فى مسألة الحرب، لن يستطع تحمل المسؤولية بمفرده، بل سيلجأ إلى أعضاء إدارته التى لم تكتمل أركانها حتى الآن.
أمر آخر لا يجب أن نغفله فى الأزمة السورية، وهو أن أى قرار الحرب يجب أن يأخذ فى الحسبان رد فعل روسيا التى تحتفظ بقاعدة عسكرية على الأراضى السورية، ولها وجود عسكرى لا يستهان بها، وأى عملية عسكرية شاملة فى سوريا ستتقاطع مع الوجود الروسى، وهو ما قد يؤدى إلى صدام عسكرى لا تتحمله الدول التى تطلق التهديدات الآن، حتى بريطانيا التى لها خلاف سياسى قوى مع روسيا بشأن جاسوس مزدوج تقول لندن إن موسكو خططت لاغتياله بالسم وهو ما تنفيه روسيا، لم تجرؤ على اتخاذ أى موقف تصعيدى ضد روسيا، لأنها تدرك أن الصدام ليس فى صالح أحد، بل سيكون وبالا على الجميع.
ولا ننسى أنه فى الوقت الذى تتصاعد فيه نذر الحرب فى سوريا، تفتح إدارة ترامب باب التفاوض مع النظام الكورى الشمالى، بعد أيام عصيبة وتهديدات أكثر شراسة أطلقتها واشنطن فى وجه كوريا الشمالية لكنها انتهت إلى اللجوء للسياسة، بعدما أدرك الجميع أن الهدف كان تهيئة الأرض لبدء حوار سياسى يحقق فوائد متعددة للجميع، وهو ما أتوقع أن يحدث حالياً فى الأزمة السورية، فالولايات المتحدة ومعها حلفاؤها سواء كانت بريطانيا أو فرنسا لديهم مطالب عند روسيا، ويسعون إلى تحقيقها سياسياً لو على الأراضى السورية، وفى نفس الوقت ترغب واشنطن فى تحريك المياه الراكدة فى دمشق لتهدئة حلفائها فى المنطقة، ممن نظروا لترامب على أنه أوقف العملية السياسية فى سوريا، لأن النظام السورى ارتكن إلى أن ترامب لا يبحث عن أى تصعيد، وأمام كل هذه الامور مجتمعة لم تجد واشنطن من طريق أمامها إلا ضربة نوعية علها تحرك المياه الراكدة، وهو ما يجعلنى أصل إل استنتاج أن أمر الحرب حتى وأن حاولت واشنطن التمويه بضربات جوية على أهداف سورية محددة، لأنها لن تعنى أن الضربة قادمة بل سنجد مزيداً من النقاش السياسى الذى ربما يقودنا إلى انفراجة دبلوماسية.
ويجب ألا نغفل أيضاً أمرا مهما وهو ردة فعل المجتمع الدولى الرافض للتحرك الأحادى من جانب واشنطن ومعها باريس ولندن، فى حين أنه لا توجد نتائج رسمية تؤكد تورط دمشق فى استخدام الأسلحة الكيماوية، وهو أمر شبيه بما حدث فى العراق 2003، وهو ما جعل الجميع يتحسب من أى خطوة نحو امتداد الحرب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة