بدأت الضربات الأطلسية لسوريا وانتهت على الهواء، وبدا الأمر من فرط «تليفزيونته» افتراضيا، لولا ظهور صور للأهداف التى تم قصفها. روسيا شككت فى أن تكون فرنسا قد شاركت فى الضربات، بالرغم من أن الفرنسيين عرضوا صور الطائرات الفرنسية وهى تتجه لقصف الأهداف.
المفارقة أن قوات التحالف أعلنت أنها قصفت أهدافا يفترض أنها مراكز لإنتاج السلاح الكيماوى، لكن لم يتم رصد أى تسربات تؤكد ما أعلنه التحالف، ولم تصدر أى تقارير عن حدوث تسرب للكيماوى يثبت صحة الضربات والتقارير، وهو أمر تهرب من الإجابة عنه الأمريكيون فى المؤتمرات الصحفية.
القوات تجنبت الأهداف الروسية، وروسيا أعلنت أنها لم تستخدم الدفاعات الجوية لصد الصواريخ كروز التى أعلنت قوات الدفاع الجوى السورية أنها أسقطت الكثير منها قبل وصولها للأهداف، وبالتالى فإن الضربات كانت محسوبة، وأشارت بعض التقارير إلى أن الضربات وجهت من قوات التحالف الثلاثى إلى أهداف تم تدميرها مسبقا. لم تقع أى تصادمات بين روسيا والغرب فيما بدا أشبه بمحاولات اختبار النفوذ منه إلى تحرك جاد.
واللافت أنه منذ بداية أزمة الكيماوى فى سوريا ظهرت بريطانيا أكثر حماسا للحرب، ربما من أمريكا، وتظهر رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماى أشد حماسا من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لضرب سوريا، وعدم انتظار نتائج لجان التفتيش الدولية أو قرارات مجلس الأمن، ولهذا كانت تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى بأنها سمحت للقوات البريطانية بالقيام بعمليات منسقة ضد أهداف محددة فى سوريا.
رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماى تسير على نهج سابقيها من رؤساء الوزراء البريطانيين، الذين ساهموا بنصيب وافر فى كل حروب التفكيك بالمنطقة، بريطانيا كانت على رأس قوات غزو العراق، وكان رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير أهم وأكبر شركاء جورج دبليو بوش فى غزو العراق وإسقاط نظامها، واللافت للنظر أن تونى بلير اعترف بعد 13 عاما بأن غزو العراق كان خطأ، وتم بناء على معلومات استخبارية خاطئة، وفى 15 أكتوبر 2015 سألت «سى إن إن» بلير: «هل كانت حرب العراق خطأ؟»، أجاب: «أنا أعتذر لحقيقة أن المعلومات الاستخبارية التى تلقيناها كانت خطأ، وأعتذر عن الأخطاء فى التخطيط، وفى تقدير ما الذى سيحصل بعد الإطاحة بالنظام العراقى»، بل اعترف بلير أن الغزو كان سببا رئيسيا فى ظهور داعش واتساع الإرهاب والتنظيمات الإرهابية.
تقريبا اعترف كل الذين شاركوا فى الغزو بخطأ المعلومات بمن فيهم جورج دبليو بوش، لكن هذا الاعتراف لم يمنع قوات حلف الناتو وبحماس بريطانى من تكرار الخطوات وقصف ليبيا وإسقاط القذافى، واعترف ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى السابق بأخطاء الناتو فى إسقاط ليبيا والقذافى والانسحاب، الأمر الذى أدخل ليبيا إلى الفوضى وتوطن الإرهاب وداعش.
رئيسا وزراء بريطانيا اعترفا بأنهما كانا قد ساهما فى غزو أدى لتقوية الإرهاب، وأخيرا تنضم تريزا ماى رئيس الوزراء إلى عمليات ضد سوريا فى وقت تواجه فيه التنظيمات الإرهابية، ومنها داعش والقاعدة، هزائم فى سوريا والعراق، وتهرب من مناطق سيطرت عليها 6 سنوات، تأتى ضربات بناء على تقارير مشكوك فيها حول السلاح الكيماوى، وتصر روسيا على اتهام بريطانيا بأنها وراء الأفلام المفبركة عن الكيماوى بسوريا، وبالرغم من أن رئيسة وزراء بريطانيا فشلت حتى الآن فى إثبات تورط روسيا فى محاولة قتل الجاسوس سكريبال، فقد تحمست لنقل الصراع إلى سوريا.
وقد اتهمت روسيا بريطانيا مباشرة بأنها وراء أزمة الكيماوى، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها تمتلك أدلة على تورط بريطانيا المباشر فى تدبير تمثيلية الكيميائى فى دوما، وأن لندن أعطت تعليمات لمنظمة «الخوذ البيضاء» لاستغلال الاشتباكات لتمثيل وإخراج فيلم الكيماوى، وقالت روسيا إنها توصلت لممثلين قدموا أدوار ضحايا فى الفيلم المفبرك.
بالطبع فإن روسيا ربما تبالغ فى اتهامها لبريطانيا بتدبير فيلم الكيماوى، خاصة أن روسيا نفسها فى دائرة الاتهام، لكن يظل السؤال قائما: لماذا كانت بريطانيا دائما أكثر تحمسا للحرب فى المنطقة، دعمت غزو العراق، وإسقاط ليبيا، ودعمت الحرب فى سوريا وغيرها، ثم إن بريطانيا تظل الدولة الأكثر احتضانا لقيادات التنظيمات الإرهابية وارتباطا بهم، وفيما يتعلق بتنظيم داعش هناك الكثير من البريطانيين انضموا للتنظيم وسافروا للمشاركة فى الحرب بالوكالة فى سوريا والعراق.
كل هذه المؤشرات تضع علامات استفهام كبيرة على بريطانيا كدولة عظمى سابقة ودورها فى ترتيبات الصراع والنفوذ بالشرق الأوسط.