أزمات مفتوحة ومصالح متشابكة قادت كلاً من لندن وباريس للوقوف فى صف الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركتها العدوان على سوريا الذى وقع فجر السبت من خلال 110 صواريخ استهدفت العاصمة دمشق وغيرها من المدن السورية، فمن باريس الساعة للعودة إلى الساحتين الإقليمية والدولية بعد طول غياب، إلى لندن التى باتت تعانى انحسارًا واضحًا فى دورها وتأثيرها بسبب اعتزام الحكومة البريطانية الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبى، يمكن تفسير الموقف الفرنسى والبريطانى فى الهجوم الأخير.
وفى الوقت الذى اختار فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اختلاق أزمة جديدة، والتدخل العسكرى داخل الأراضى السورية لأسباب معروفة مسبقًا، اختارت فرنسا ـ بحسب تقرير نشرته نيويورك تايمز ـ أن تحاول العودة للأضواء بعد سنوات من الغياب عن الساحة الدولية، حيث اعتبر الرئيس الفرنسى الشاب إيمانويل ماكرون هذه الخطوة مؤثره وتعزز موقفه كوسيط بين روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، فقبل ساعات فقط من العدوان، كان ماكرون على اتصال هاتفى مع الرئيس الروسى فلادمير بوتين لمناقشة الوضع فى سوريا، وبعد العدوان، أكد مقربون من ماكرون اعتزامه زيارة موسكو المقرر مسبقاً فى نهاية مايو دون تأجيل.
ويحاول ماكرون تعزيز موقف فرنسا باعتبارها منفذ للمعاهدات الدولية التى تشكل اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية الموقع عليها من قبل 192 دولة.
ومن باريس إلى لندن، تختلف التفاصيل، إلا أن الأسباب ربما تكون واحدة حيث وجدت رئيسة الوزراء الفرنسية تريزا ماى المشاركة فى الهجوم بمثابة "فرصة نادرة" ومرحب بها لدعم الولايات المتحدة والتقرب منها فى ملف لا يثير الرأى العام البريطانى .
وتواجه ماى وضع أكثر هشاشة، فى ظل المواجهة المتوترة التى تصاعدت مع روسيا بسبب تسميم الجاسوس الروسى السابق، سيرجى سكريبال وابنته يوليا سكريبال، بغاز أعصاب من الدرجة الأولى. ومن ثم فإن ماى كانت تحت ضغط للرد بقوة على موسكو بعد الهجوم الذى عرض مئات المواطنين جنوب غرب انجلترا إلى المادة المميتة.
وقالت الصحيفة الأمريكية فى تقريرها، إن من الأمور الأخرى الحتمية لبريطانيا الرد بالمثل على الدعم الذى تلقته لندن من الولايات المتحدة فى النزاع مع روسيا بشأن تسميم سكريبال.
وقال جوستين برونك، الباحث فى مجال القوى الجوية فى معهد رويال يونايتد سيرفيسيز وهو معهد بحثلا يركز على الدفاع والأمن فى لندن: "لا أعتقد أن أمام تريزا ماى الكثير من الخيارات."، مشيرا إلى ماى. مضيفًا: "من خلال الإعلان عن الضربات عبر تويتر، جعل الرئيس ترامب هذه دعوة شخصية للعمل لاسيما أن صورته ومصداقيته على المحك".
كما أن بريطانيا تريد أن تثبت استخدامها كحليف لترامب فى وقت يتأثر فيه نفوذها الدولى بسبب انسحابها من الاتحاد الأوروبى، وتأمل فى تعزيز العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة.
ومن دوافع الهجوم، إلى تداعيات الهجوم، يواجه ماكرون وماى حملة انتقادات داخلية واسعة بعد العدوان الأخير، خاصة بعدما أكدت العديد من الصحف العالمية وفى مقدمتها صحافة الدول الثلاثة المشاركة فى الغارات الصاروخية، فشل تلك الهجمات فى تحقيق أهدافها، بخلاف تأكيدات موسكو ودمشق على الأمر نفسه، بعد تدمير ما يزيد على 70 صاروخا من أصل 110 فى الجو بواسطة قوات الدفاع الجوى السورى.
وفى باريس، يواجه ماكرون عاصفة انتقادات من غالبية الأحزاب، حيث اتهم زعيم حزب "إينسوميزى" الفرنسى جان لوك ميلينشون الرئيس الفرنسى، بمهاجمة سوريا دون دليل على استخدام الأسلحة الكيميائية ودون تفويض من الأمم المتحدة أو اتفاق الاتحاد الأوروبى أو تصويت البرلمان الفرنسى.
وقال ميلينشون: "هذه مغامرة أمريكا للانتقام، وتصعيد غير مسئول". وفى أقصى اليمين، وقالت مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية، إن فرنسا خسرت فرصة "الظهور على الساحة الدولية كقوة مستقلة"، ووصف نائب زعيم الحزب، نيكولاس باى، ماكرون بأنه "تابع للولايات المتحدة".
وفى بريطانيا انتقد زعيم حزب العمال المعارض جيريمى كوربين، رئيس الوزراء، قائلا: "القنابل لن تنقذ الأرواح أو تحقق السلام". كما انتقد الوزير الأول فى اسكتلندا، نيكولا ستورجيون، ماى بسبب إخفاقها فى الحصول على موافقة البرلمان أولا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة