دائما ما ترتبط القمم العربية بأحداث كبيرة تفرض نفسها على أجندة النقاش، وتجعل الأنظار كلها متجهة صوب القادة العرب، منتظرة ما ستسفر عنه النقاشات والحوارات، وقبل أن تنطلق القمة العربية بالمملكة العربية السعودية، أمس، وجهت الولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا، ضربات صاروخية لعدد من المواقع السورية، قالت واشنطن: إنها لقواعد عسكرية استخدمت فى الهجمات الكيمياوية المزعومة فى سوريا.
قبل هذه الضربات الصاروخية كانت الأوضاع فى فلسطين ملتهبة بسبب التعامل الوقح، من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلى تجاه الفلسطينيين، الذين خرجوا فى مسيرات العودة، فضلاً عن المباحثات المستمرة حول خطة أمريكية جديدة لاستئناف مفاوضات السلام فى فلسطين، ولا ننسى الأوضاع فى اليمن وليبيا وملف الإرهاب، الذى دائما ما يتصدر النقاش فى الاجتماعات العربية، خاصة بعد ثبوت تورط قطر فى دعم وتمويل المنظمات والميليشيات الإرهابية فى المنطقة.
كل هذه ملفات ملتهبة وساخنة وضعت القمة العربية موضع الاهتمام، لكن ما يحدث فى سوريا فرض نفسه بقوة، بشكل أستطيع أن أؤكد أنه نحى بقية الملفات جانباً، لأن الأوضاع على الأرض تسارعت بشكل مخيف، وينذر بصدام عسكرى كبير، بين قوى دولية، رأت أن الأراضى السورية مسرح مناسب لتصفية الحسابات.
ما زاد من صعوبة الموقف والنقاش فى القمة العربية أنه لا يوجد رأى واحد تجاه الوضع فى سوريا، وهو ما رأيناها من ردود الأفعال التى تلت الضربات الصاروخية الأمريكية، فقد وجدنا دولاً شديدة الترحيب بما حدث، وأخرى متحفظة وثالثة رافضة، وما بين هذه الآراء كان الموقف المصرى هو الأكثر وضوحاً واتساقا أيضاً مع الرؤية التى تدعم الشفافية والمصداقية وحماية الشعب السورى أيضاً، فقد أعربت مصر فى بيان لها أمس الأول «عن بالغ قلقها من التصعيد العسكرى الراهن على الساحة السورية، لما ينطوى عليه من آثار على سلامة الشعب السورى الشقيق، ويهدد ما تم التوصل إليه من تفاهمات حول تحديد مناطق خفض التوتر»، وأكدت أيضا « وزارة الخارجية المصرية فى بيان، رفضها القاطع لاستخدام أية أسلحة محرمة دوليا على الأراضى السورية»، مطالبة بإجراء تحقيق دولى شفاف فى هذا الشأن، وفقا للآليات والمرجعيات الدولية.
وتناول البيان الذى أصدرته وزارة الخارجية المصرية «تضامن مصر مع الشعب السورى الشقيق فى سبيل تحقيق تطلعاته للعيش فى أمان واستقرار، والحفاظ على مقدراته الوطنية وسلامة ووحدة أراضيه، من خلال توافق سياسى جامع لكل المكونات السياسية السورية بعيدا عن محاولات تقويض طموحاته وآماله، لتدعو المجتمع الدولى والدول الكبرى لتحمل مسؤولياتها فى الدفع بالحل السلمى للأزمة السورية بعيدا عن الاستقطاب، والمساعدة فى ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين والمتضررين من استمرار النزاع المسلح».
الموقف المصرى من وجهة نظرى هو الأقرب للواقع والعقلانية أيضاً، لأنه وقف إلى جانب الشعب السورى، ولم ينجرف إلى هذا الرأى أو ذاك، وهو موقف كثيرا ما أعلنت عنه مصر فى عدة مناسبات دولية وإقليمية مختلفة، لأننا ندرك من البداية أن كل ما يقال ويحدث بشأن الوضع فى سوريا ما هو إلا تصفية للحسابات الدولية، اختارت هذه القوى من سوريا مسرحاً لتنفيذه، وهو ما يتنافى مع كل المواقف الدولية المعلنة، التى تتخذ من حماية الشعب السورى شعاراً زائفاً لها.
لا أتوقع أن تخرج القمة العربية بجديد فيما يتعلق بسوريا، بل ستكتفى ببيان لن يختلف عما سبقه من بيانات، والسبب فى ذلك معروف، وهو أن المواقف ليست على خط واضح، بل إنها متباينة وفقاً لرؤية ونظرة كل دولة للأزمة فى سوريا، ولنظرتها أيضاً للنظام السورى وليس الشعب، وهنا مكمن الأزمة، لأن الدول تتعامل مع سوريا على أنها بشار الأسد، متناسين مصير الشعب السورى الذى وصل إلى درجة الملل من التوترات السياسية والعسكرية، ويريد أن ينتهى هذا الوضع المأساوى سريعاً، حتى ينعموا بالحياة الكريمة، فالسوريون باتوا أكثر يقيناً أنهم أصبحوا لعبة تتقاذفها دول المنطقة، من أجل تحقيق أهداف هذه الدول، فتركيا تريد ضم جزء من الأراضى السورية لها، وإقامة منطقة عازلة تمنع من خلالها إقامة دولة كردية، كما أن إيران تريد إظهار قوتها وسيطرتها على دول المنطقة، فضلاً عن أهداف أخرى لدول لها خلافات شخصية مع الأسد، وتريد التخلص منه حتى وإن كان على حساب السوريين كلهم.
الوضع فى سوريا شديد الخطورة، وأدرك تماماً الموقف الحرج لجامعة الدول العربية، لكن لا يجب أن تترك الأمر هكذا وتقف متفرجة، لأن عليها أن تأخذ موقفا يحسب لها ولا يحسب عليها تاريخياً، وألا تكرر الموقف المتخاذل للجامعة مع الأزمة الليبية التى كانت خلاله سببا فى تمزيق ليبيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة