ومهما كانت حجج أو تبريرات الدول الكبرى أمريكا وبريطانيا وفرنسا لضرب سوريا، يمكن فهمها ضمن صراعات النفوذ والقوة مع روسيا وغيرها. ومهما كانت تحمل روحا استعمارية، فهى لا تتعلق بمصالح الشعب السورى، ولا مستقبله السياسى، وتثبت التجربة من العراق إلى ليبيا مرورا بسوريا أن الغزاة لم يصنعوا ديمقراطية وأن سقوط الدولة لا يفتح الباب للحرية، ولهذا يظل الموقف المثير هو لسوريين ينتسبون إلى المعارضة يصفقون ويبررون الضربات الأطلسية لبلادهم، نفس المعارضة طوال الـ7 سنوات، حصلت على كل الدعم والمال والسلاح، سلمته لداعش والقاعدة، وبقيت عند حدود التصريحات والمؤتمرات المكيفة، ولم تنجح فى تحقيق أى عائد غير المزيد من اللاجئين.
ولم تتعلم معارضة سوريا من تجربة العراق، أن الديمقراطية لا يمكن صنعها بالقصف الجوى وصواريخ كروز، ومع هذا يبدو معارضو الخارج السورى الأكثر فرحا بالضربات التى تخفف الضغط عليها من الجيش السورى، ما تسمى نفسها معارضة سورية تبدى ابتهاجا بالضربات الأطلسية، مع أنهم ليسوا مقاتلين، وهم من سلموا أسلحتهم لداعش والقاعدة اختيارا، ومع هذا يظهرون ليتحدثوا باسم الشعب السورى ويعبرون عن فرحتهم بضربات ضد شعبهم وأرضهم.
فى كل مباحثات أو حل سياسى لا تظهر للمعارضة مطالب، يبرزون فقط فى صدارة المؤتمرات وشاشات الفضائيات، ليؤكدوا أنهم ينتظرون من يخلصهم من يسلمهم السلطة، وغالبا هم من يقدمون الممثلين الدائمين فى أفلام الكيماوى يموتون مرات متعددة ويعودون ليظهروا فى أفلام تفتقد إلى الإتقان فى صنعها ويظهر الممثلون الميتون يتحركون.
وهؤلاء بحاجة إلى دراسة نفسية واجتماعية لمعرفة مدى قدرتهم على استمرار تمثيل دور يؤيد غزوا أو قصفا لأرضهم، وشعبهم، ومن قبل تحالف بعضهم مع داعش، والقاعدة وتنويعاتهما، وكأنهم لم يتعلموا من تجربة أحمد الجلبى وأمثاله ممن طالبوا بغزو العراق، وإسقاطها وعندما سلمتهم أمريكا السلطة هربوا وتركوها، أو ساهموا فى عمليات النهب والإشعال الطائفى بشهادات القادة الأمريكان الذين حكموا العراق بعد إسقاط نظامه.
عندما توفى أحمد الجلبى فى نوفمبر 2015، كتب سويل تشان فى نيويورك تايمز أن الجلبى كان أكثر العراقيين تأثيرا فى قرار الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش بغزو العراق، ومعه شبكة واسعة من العراقيين، وأن المؤتمر الوطنى بقيادة الجلبى تلقى أكثر من 100 مليون دولار من «سى. آى. إيه»، واعترف دونالد رامسفيلد أنهم دفعوا 200 مليون دولار لعراقيين سهلوا الغزو.
زعماء الحرب، بوش وبلير، رامسفيلد وتشينى، اعترفوا بالخطأ فى الغزو لكنهم علقوا مسؤولية الفوضى، برقاب المنشقين العراقيين الذين حرضوا وساعدوا على غزو بلادهم، وعددت نيويورك تايمز أسماء المنشقين الذى ساهموا فى غزو العراق بالمعلومات الخاطئة، مع أحمد الجلبى، وقالوا إن هدفهم بناء الديمقراطية، واكتشف الأمريكيون أنهم عقدوا صفقات وبنوا ميليشيات، وسرقوا ثروات بلادهم.
وتصف نيويورك تايمز، وهى من بين الصحف والقنوات التى سوقت الجلبى وأدلته ومؤتمره، الجلبى بأنه تجسيد لكل الإخفاقات والمصائب والكذب، وتعلن كيف أصبح وزملاءه عملاء الـ«سى آى إيه»، يحظون باحتقار بالداخل والخارج، لأنهم ساعدوا فى غزو بلادهم بأدلة مزورة.
المنشقون عادوا للعراق اختفى بعضهم أو هرب أو اغتيل وبقى عارهم قائما، الدرس الثانى بجانب الصور المزيفة، الأبطال المزيفون، يتم تسويقهم كرسل حرية، بينما هم مجرد رؤوس غزو، وكانوا عملاء دمار شامل أخطر من أسلحة الدمار، وبعد الغزو رفض أغلبهم الذهاب للعراق وطلبوا جنسيات أخرى أو دخلوا فى حماية الدبابات الأمريكية وذكر بول بريمر حاكم العراق فى مذكراته أنه اكتشف أن الجلبى وغيره غير معروفين، وغير مؤتمنين بالعراق.
ومن العراق إلى سوريا هناك من يسميهم السوريون «الجلبيون» فى صفوف المعارضين السوريين، واللافت أن هناك معارضين سوريين رفضوا من البداية الدخول ضمن المشروع الغربى، وتمسكوا بالعمل ضمن صيغة سورية، مهما طال الوقت كان يمكن أن تمثل خطوات لبناء الديمقراطية فى سوريا، مع حفظ الدولة، لكن «الجلبيون» اختاروا دعوة الغرب للتدخل وتسليمهم السلطة، التجربة يفترض أنها تعلم أنه لا تغيير من الخارج بقوة أخرى، وأن الرهان على هزيمة الدولة لا ينتج منه إلا الفوضى، وإذا كان بعض هؤلاء يلوكون مقولة بن خلدون الشهيرة: «الطغاة يجلبون الغزاة» فهم أيضا يعرفون أن الخونة لا يجلبون الحرية، بل الفوضى لشعوبهم.
تتكرر التجربة مع معارضة سورية وهمية، تواصل طوال 7 سنوات التحالف مع كل الأجهزة، وتجد منها من يؤيد احتلال تركيا، وقصف أمريكا لبلاده، وأغلب هؤلاء باعتراف الدول الغربية تلقوا السلاح والمال، لكنهم سلموه للتنظيمات الإرهابية التى لا توجد غيرها فى الصورة ويكتفى معارضو الخارج بالظهور فى المؤتمرات والشاشات ليمارسوا لعبة التصفيق فى انتظار الغزاة.