التحقيقات التى تدور حول «فيس بوك» وتسريب بيانات المستخدمين، تبدو تحصيل حاصل، وتأكيدا لما كان عرفا سائدا يكاد المستخدمون يعرفونه ويتعاملون معه على أنه أمر طبيعى، السياسة هى التى كشفت الأمر.
وكل ما فعله مارك زوكربيرج فى اعترافاته أمام لجنة التحقيق بالكونجرس، أنه أقر واقعا كان معروفا، لكنه احتاج إلى تأكيد، ولم يكن واردا أن تتكشف كل هذه التفاصيل عن اختراق الخصوصية وبيع الحسابات، والتأثير فى آراء المواطنين عبر العالم، ما لم يكن الأمريكيون هم موضوع الشكاوى. فالانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقبلها استفتاء الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى «بريكست»، هى التى كشفت التسريب والتلاعب، وقبلها كانت هذه الدول تستفيد من عمليات اختراق الخصوصية فى عملها السياسى قبل أن تواجه تحديا من الخارج، فقد تصاعدت الاتهامات البريطانية والأوروبية لروسيا بالتدخل فى توجيه الرأى العام عن طريق حسابات موجهة، فيما يعرف بـ«اللجان الإلكترونية» التى يقول البريطانيون إنها أثرت فى توجيه أعداد من الناخبين البريطانيين للتصويت لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبى، وهو أمر يعتبر عكس مصالح بريطانيا.
وفى الولايات المتحدة تسيطر نظرية المؤامرة على عدد من كبار رجال المخابرات المركزية ووزارة العدل، تجاه الروس، لدرجة حذف برامج الحماية الروسية من أجهزة المسؤولين الأمريكيين. وكل هذا كان قبل اكتشاف قضية حصول شركة كامبريدج أنالتيكا البريطانية على بيانات عشرات الملايين من المستخدمين.
وأطلقت دول كثيرة عبر العالم تحقيقات عن تسريب بيانات مواطنيها عبر «فيس بوك»، وكانت الفلبين أحدث دولة تطلق تحقيقا رسميا، بعد اكتشاف أنه تم استعمال أكثر من مليون حساب لمستخدمين من الفلبين، وكانت أستراليا وإندونيسيا تحققان فى ممارسات «فيس بوك»، وقالت مجلة «تايم» إنه إذا كان زوكربيرج استطاع أن يتجاوز استجواب الكونجرس الصعب بشأن أزمة متوقعة، فإنه سيواجه تحديا آخر هذه المرة من لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية، التى قد تتخذ قرارات تجبر الكونجرس على تقنين وتنظيم عمل شركات التكنولوجيا الكبرى.
وفى حالة فتح تحقيقات فى دول العالم يتوقع أن يظهر المزيد من الاتهامات والقضايا فيما يتعلق باستخدام حسابات وبيانات المستخدمين فى دول العالم، خاصة بعد شهادة مؤسسه مارك زوكربيرج أمام الكونجرس عن مسألة تسريب بيانات المستخدمين، والتى اعترف فيها بحدوث مخالفات واعتذر عنها فى محاولة لاستعادة مكانة شبكة التواصل الاجتماعى الأكبر فى العالم.
اعترافات مارك تبدو تحصيل حاصل، خاصة أن التحقيقات أكدت أن «فيس بوك» حصل على بعض بيانات المستخدمين بطرق غير مباشرة منها عناوين بريد لأصدقاء أو معارف للمستخدم، وزرع ملفات «كوكيز» يخزنها المتصفح، ويستخدمها «فيس بوك» وشركات أخرى لرصد أشخاص على الإنترنت، واستهدافهم بإعلانات، وليس للمستخدم اختيار يمنع جمع بياناتهم، وقال مارك: «هناك أمور أساسية يمكنك أن تفعلها للحد من استخدام تلك المعلومات للإعلانات، لكن الأمر يبدو إجباريا فى الكثير من التعاملات.
وبالرغم من كل الحديث عن تنظيم «فيس بوك»، فإنه لا يتوقع أن يتوقف مئات الملايين عن استخدام الموقع، لكن الأمر يتعلق بإعادة اكتشاف تفاصيل وموضوعات كانت مطروحة، وظلت فى إطار الشكوك، لم تتحول إلى واقع، وإذا كان الأمر تفجر لأنه اقترب من الناخب الأمريكى، فهو ينعكس فى الخلفية ليعيد التذكير بمئات الوقائع والأحداث، التى تم فيها استعمال «فيس بوك» لأغراض تجارية وإعلانية أو سياسية، ربما يكون آخرها وأحد أبرز الأمثلة على التوظيف السياسى، قضية الأسلحة الكيماوية فى سوريا، وقبلها أحداث الصراع فى سوريا والصور والفيديوهات التى لعبت دورا فى الحشد والمواجهة وتوجيه الرأى العام السورى والعربى. وهناك عشرات الحملات، يتكشف اليوم أنها كانت مدفوعة ومجهزة لتحقيق أهداف سياسية، وتضمنت معلومات وأرقاما وصورا غير صحيحة لعبت دورا عاطفيا.
ومن سوريا إلى الكثير من القضايا والشائعات والتى مثلت ولاتزال جزءا من حروب التشكيك والتوجيه، والتى يفترض أن تخضع للفحص، ومعها بالطبع المنصات الإعلانية والتجارية، وعمليات بيع معلومات المستخدمين وأصدقائهم وأقاربهم للشركات التجارية.
وقد كشفت التحقيقات، أن «فيس بوك» لم يكتف ببيع البيانات للمعلنين، وإنما أيضا لشركات تسويق لا يتعلق عملها فقط بالإعلانات والتسويق، لكن أيضا بالسياسة، وهو ما كان مقدمة لتصاعد القضية، على خلفية الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أو استفتاء بريكست فى بريطانيا، ويتوقع أن يظهر المزيد من التفاصيل التى قد تخفف من تأثير «فيس بوك»، لكنها لا يمكن أن تمنع مئات الملايين من استعماله.