لن أتوقف كثيرا عن التصريحات المتتالية لوزير التعليم ، والتى ينفى فيها وجود توجه حالى لدمج التعليم العام و التعليم الأزهرى ، لأنى لا أعرف أولا ، لماذا النفى لفكرة وجيهة وخلاقة ومشروع يقدم حلولا لإصلاح التعليم الأزهرى ، وثانيا لأن الفكرة انطلقت والسلام حتى لو نفاها وزير التعليم ومشايخ الأزهر معا لأسباب مختلفة تخص وزارة التعليم ومشيخة الأزهر ، فالفكرة أصبحت ملكنا جميعا ومن حقنا اختبارها والتفكير فيها وإثرائها والبناء عليها لتقديم حلول أكثر شمولا للتعليم الأزهرى الذى يعتبر بيئة حاضنة محتملة للتيارات المتطرفة
التصريحات المنفية لوزير التعليم الدكتور طارق شوقى ، كانت تتناول إمكانية ضم التعليم العام والأزهرى على أن تكون الأمور الدينية اختيارية ، تقدم خارطة طريق لإمكانية تطوير التعليم الأزهرى بخطوات سريعة وفعالة بعيدا عن تصوير الأزهر ككيان منغلق على ذاته ومشايخه وكأنهم معزولون عن السياق الفكرى العام والحياة السياسية المصرية
بالطبع ، سيغضب مشايخ الأزهر وكوادره الإدارية فى الجامعة والمعاهد ، وسيحاولون تصوير الأمر على أنه نوع من التدخل فى شئون مشيخة الأزهر وجامعتها ، أو هو نوع من التسلط على نوعية التعليم الدينى الذى يقدمه الأزهر منذ مئات السنين ، وسيقولون كلاما عن دور الأزهر التاريخى فى حماية العقيدة وتعليم الأجيال ، وكيف أنه كان منارة العلم التى يقصدها المسلمون من المشرق والمغرب وجهة التعليم الوحيدة فى عصور الجهل والظلام ، وكيف واجهت المشيخة عهود الاستعمار الفرنسى والإنجليزى فحافظت على هوية الإسلام ومصرية المصريين .
ونقول إن كل الكلام الطيب عن الأزهر الشريف ودوره العلمى والتعليمى مقدر تماما ، لكننا لسنا بصدد الطعن على الأزهر ودوره ورسالته ، ولكننا نتعامل مع قضية التعليم بوصفها مستقبل الأجيال المصرية المقبلة ، ولا يجب أن تكون هناك حلقة تعليمية متكلسة وبعيدة عن التطوير الذى يواكب العصر وينفع الناس ، وإذا كنا نرجو استراتيجية شاملة لتطوير التعليم العام ، فلابد من شمول هذه الاستراتيجية التعليم الأزهرى أيضا .
وهنا لابد وأن نشير إلى عدة نقاط أساسية تخص تطوير التعليم الأزهرى ، وأولها أن مناهج الأزهر وعلومه لم يلحقها التطوير والتجديد منذ مئات السنين ، إلا عندما تصدى للأمر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، وأصدر فى عام 1961 قرار تطوير الأزهر وتحويله إلى جامعة تدرس العلوم الحديثة المدنية مع العلوم الشرعية ، وتواصلت قرارات عبد الناصر بإنشاء كليات الطب والعلوم والهندسة وسائر الكليات المدنية دون التأثير على رسالة الأزهر العلمية .
وعندما صدر قرار الرئيس عبد الناصر ، حدث ما يشبه الثورة المكتومة داخل الأزهر ، وتصوروا أن الرئيس عبد الناصر يريد إغلاق الأزهر أو تغيير طابعه ، لكن الرجل بحسه السياسي ورؤيته العصرية ، كان يريد حلحلة الجمود الكائن فى مسارات التعليم الأزهرية منذ قرون ، وبالفعل نجح جزئيا فى أن يكون لدينا الطبيب الأزهرى والمعلم الأزهرى والمهندس الأزهرى الذى يقوم بدوره العلمى والوظيفى فى بناء بلاده إلى جانب دوره الدعوى
وعلينا أن نعترف بحدوث انقطاع فى عملية تطوير الأزهر ومناهجه ورسالته العلمية والتعليمية منذ أواخر الستينيات وحتى الآن ، عندما بادر الرئيس السيسي بإطلاق دعوته لضرورة تجديد الخطاب الدينى وأوكل للإمام الأكبر شيخ الأزهر التصدى لهذه المهمة الجليلية ، خاصة وأنه الأقدر على أداء هذه الرسالة ،إلا أننا لم نشهد تجديدا لافتا أو تطورا نوعيا فى مناهج وعلوم الأزهر الدينية المقررة على الطلاب والدارسين
ولابد أن نعترف أيضا أن الخط العام للتجديد الذى بدأه عبد الناصر ، لو كان استمر على نفس الوتيرة ، لما اضطر السيسي بعد أكثر من خمسين عاما لإطلاق دعوته لتجديد الخطاب الدينى ، بعد ملاحظة أن القيادات بجماعات التطرف والإرهاب فى مصر والعالم ، إما تعلمت فى جامعات الأزهر وفهمت المواد الدينية خطأ ، أو تلقت الفهم المنحرف للعلوم الشرعية عن رجال تعلموا فى الأزهر الشريف
وللحديث بقية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة