تخرج علينا من حين إلى آخر دعوات للمصالحة مع جماعة الإخوان أو التعاطف معهم، إلا أن هذا الدعوات تتغافل بأن خلاف الدولة المصرية والشعب مع الإخوان ليس خلافًا سياسيًا أو فى القضايا الاقتصادية كما يصدرها البعض، ولكن الخلاف وطنى، فالجماعة لا تؤمن بالهوية الوطنية ولكن إيمانها فقط للجماعة، وهدفها فقط إما حكم مصر أو تدميرها، فحديث المصالحة غير مقبول وخيانة لدماء الشهداء، سواء المدنيين أو العسكريين، فجميعهم راقت دماؤهم بدم بارد على يد هؤلاء الخونة.
لكن هذه الدعوات تدعونا للتفكر فى من يدفع بعودة هؤلاء، فهم إما ساسة بالداخل أو حكومات ومجتمع مدنى وشخصيات سياسية وبرلمانية بالخارج، بهدف اختراق الدولة المصرية، وبالتالى هناك أطراف دولية تدفع لعودة الإخوان للمشهد السياسى لتتحول إلى شوكة فى ظهر الدولة ويسهل من خلالها اختراق الدولة واستهدافها، فذاكرتى تقودنى دائما لثورة الـ30 من يونيو، فتأتينى من الفص الصدغى لدماغى، صيحات هتافات الميادين، وتتردد فى ذاكرتى المحفوظة، كثير من الشعارات منها «خان يخون إخوان»، فالخيانة كلمة مشتقة من اسم الجماعة، فهى من الأدبيات بجانب الكذب والنفاق، فقد شاهدتهم واحتككت بهم فى مواضع كثيرة فسجلهم حافل بالقتل والكذب الخسيس.
فمنذ تنكر شيخ المنصر حسن البنا لقتله النقراشى باشا، رئيس وزراء مصر الذى أصدر قرارا بحل الجماعة، ووصفهم بأنهم «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»، أما فى معاصرتهم فلم أجدهم إلا على فكر وضرب مؤسس الجماعة ومرشدهم، فحتى ليلة ما قبل 25 يناير 2011م كان الهتاف ضد الحاكم ملعون فما بالك بالخروج عليه، فصدر بيان مكتب الإرشاد يمقت المشاركة فى دعوة 25 يناير مقتاً وبيلاً، لتظهر أفواج أعضاء الجماعة فى ظهيرة يوم 28 يناير 2011م، يوم جمعة الغضب، بعد أن عقدت الجماعة العزم للزحف على انتصارات ثورة يناير، لاقتلاعها من جنان أبنائها، لغرسها مشوهة فى قصر الاتحادية، حيث جلس مرسى على عرش الخلافة الإخوانية الوليدة، لتعيث مليشياته فسادا فى البلاد والعباد بلا تردد ولا هوادة، فبعد أن نهبوا الثورة من طليعتها، أخذوا ينكلون بالثوار قتلاً وسحلاً وتعذيباً، ليتوحشوا فينقض عليهم الشعب فى الـ30 من يونيو، ليعودوا إلى حقيقتهم الأولى جرذانا مطاردة فى الطرقات.
الجماعة عقل وجسد، العقل هو عصابة مكتب الإرشاد وشورى الجماعة وقيادات التنظيم الدولى، أما الجسد فشباب الجماعة وأعضاؤها، العقل تحكمه أفكار ميكافيلى، أما الجسد فقد استسلم بكل جوارحه، لتخاريف سيد قطب العقائدية فى كتابه «معالم فى الطريق»، فالعقل يدرك تماما أن أفعال وأقوال الجماعة ليست من الإسلام فى شىء، أما الجسد فتصرفات الجماعة ومساراتها وأهدافها هى تتويج لمبادى وتعاليم الإسلام، العقل يسعى للانتصار لدولة الإخوان لا الإسلام، أما الجسد فقد توحد لديه الأمر فانتصار الإخوان هو انتصار للإسلام.
كل ما فات ليس كل شىء وليس بجديد فى شىء، وإنما تذكرة للغافلين أو المتغافلين، الناسين أو المتناسين، من أصحاب دعوات المصالحة الذين يعلمون تاريخ الإخوان البالى القذر، ويدركون مدى خطورتهم على مصر، ويؤمنون بخيانة الإخوان، ودهسهم لعلم مصر لرفع علم الجماعة، فهم أصحاب عقيدة «طظ فى مصر»، فهم ليسوا مصريين وإنما إخوانيون، هم ليسوا إسلاميين وإنما متأسلمون، هم ليسوا عربانا وإنما عثمانيون، ومن يقول أو يعتقد غير ذلك، فإما واهم أو ممحون، فكما كنت معاصرا لجرائم الإخوان، كنت شاهد عيان على تصرفات «مماحين» الجماعة وخدمهم، فالممحون كائن نشط لا يهدأ، إما متآمر أو جاهل معدوم الوعى، يقبل من الإخوان أى شىء وكل شىء، تعرض على يد الجماعة للاستخدام، ثم التكفير، فالإهانة، فالسحل، كما جرى فى أحداث الاتحادية فى عهد مرسى، ولكن يظل مناديًا لضرورة بقاء الجماعة فى النسيج الوطنى المصرى.
يتبنى عبارات ممحونة على طريقة «الدم كله حرام»، وتجده لا يرثى سوى قتلى الإخوان، فى رابعة والنهضة، يحول مجرمى وقتلة عرب شركس، ومحمود رمضان الذى ألقى بأطفال الإسكندرية عيانًا بيانًا إلى إعدام وطن، يحول محمد سلطان الأمريكى إلى أيقونة نضالية، لأنه تنازل عن الجنسية المصرية، ووصل ساجدًا إلى أرض ماما أمريكا، يروج إلى أن مقتل النائب العام مؤامرة دبرها السيسى لنشر القوات المسلحة فى البلاد، يشمت بعبارات على شاكلة «اللهم أهلك الظالمين بالظالمين»، عند استشهاد جنودنا البواسل فى سيناء وهم قابعون فى بيوتهم، على مواقع التواصل الاجتماعى يشجب مقتل خلية أكتوبر المسلحة، ويتشدق بأنه ضد حقوق الإنسان.
الممحون متحذلق ومدعٍ، يبرر إجرام الجماعة بأنه رد فعل طبيعى على تصرفات النظام، يدعو لمصالحة الإخوان ويُنظر لذلك ليفسح المجال للجماعة لتتنفس، ومن ثم تحيا وتتمدد من جديد، يعشق استخدام الإخوان له كمحلل أمام الرأى العام الغربى ليصدروا القضية زورا أنها صراع ثورة وليس سلطة، وعند استهلاكه إلى أقصى حد تقذف به الجماعة كالخرق البالية عند أقرب صندوق قمامة، كما حدث من قبل، ليعاودوا التقاطه من جديد عند الحاجة إليه، فيطيبون الخواطر، ويتشدقون كالغوانى بكلمتين معهودتين «لقد أخطأنا وهذه المرة سنسعى معًا حتى النصر»، ويصدرون بيانات نداء الكنانة، والدعوة لتوحيد الصف الثورى، والتأكيد مرارًا وتكرارًا عدم الحياد عن المسار الثورى، ليجمعوا شتات «السرسجية»، فيكونون وقودهم فى الحرب مع الدولة المصرية.
لكن الغريب أن الكثير من هؤلاء المماحين لا ينتمون للإخوان فكريًا، إنما بعضهم من معتنقى الفكر التروتسكى، وحتى منهم الملحدون بلا ملة ولا دين، فهم من المحتفين والمنادين بحرية زواج المثليين، فيعبدون تابوهات قديمة وفاشلة، أنه لا ثورة إلا بالهدم والبناء من جديد على الأنقاض، لا ثورة إلا بزوال الجيوش العسكرية، أو انحسارها وإضعافها فى نطاق ضيق لا يتعدى مسؤولية الغفر، يؤمنون بأن الإخوان، لصوص الثورات، جزء من الثورة قد انحرفوا وعادوا من جديد ليوحدوا الصفوف، فهم ليسوا فحسب روادًا على القنوات الإباحية، كالجزيرة والشرق ومكملين وغيرهما من الأبواق الإعلامية للإخوان، المستضافة والممولة من قوى إقليمية معادية لمصر، إنما بعضهم تحول لسماسرة يجمعون المماحين للظهور الإعلامى، ويجندون البعض بالدولارات ليقدموا عروضًا قوية على هذه القنوات عن قصص زائفة للإبادة الجماعية والاغتصاب والوحشية لجماعة الإخوان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة