افتتح وزير الثقافة والإعلام السعودى، عواد العواد، أمس، الأربعاء، أول دار سينما فى المملكة بعد توقف 35 عامًا، وكان فيلم الافتتاح «بلاك بانثر» الذى يعد من أكثر أفلام العام من حيث الإيرادات، وفى الحقيقة فإن الواحد لا يملك إلا الانبهار أمام تلك الحالة الثقافية الجسورة التى يقودها الأمير محمد بن سلمان، وهى حالة جديرة بتغيير الصورة الذهنية العامة للمملكة، من أكثر الدول فى العالم انغلاقًا، لدولة تسعى بشكل جدى للحداثة العالمية، فافتتاح أول دار سينما سبقه حفلات غنائية وطربية، سبقها إذاعة لأغانى أم كلثوم فى القنوات التليفزيونية العامة، سبقها معارض متنوعة للفن التشكيلى، سبقها حفلات موسيقى غربية، سبقها رفع الحظر على قيادة النساء للسيارات، وفى اعتقادى أن هذه الخطوات ما هى إلا تمهيد لما هو أكبر، وما هو أكثر استشرافا للمستقبل المتفتح.
لا أتردد فى أن أقول إن تلك الخطوات تنم عن ذكاء سياسى كبير يتمتع به الأمير محمد بن سلمان، فقد أدرك هذا «الأمير الشاب» أن المجتمع السعودى الآن بحاجة ماسة إلى «شرعنة» الانفتاح الثقافى الذى دخل بالفعل إلى المملكة بفضل التطور التكنولوجى الكبير والتوسع فى استخدام الإنترنت، فالشباب السعودى كان يعيش حالة غريبة من الازدواجية بين ما هو داخل البيت وما هو خارج الأبواب المغلقة، ففى الداخل أفلام وأغان ومسلسلات وعلوم وعوالم مختلفة، وفى الخارج لا يوجد إلا الكبت، وهو أمر كان من شأنه أن يدمر المستقبل السعودى تمامًا، وأن يجعل المملكة دولة طاردة لأبنائها قبل أن تكون دولة طاردة لزائريها، والخيار الثانى أن تعمق حالة الانعزال داخل الأبواب المغلقة وهو ما سينعكس بالسلب على الحالة الإيجابية فى العمل، كما أن هذا الانغلاق كان يحرم المملكة من الكثير من الإمكانيات الاستثمارية المهولة التى تتمتع بها، وهو أمر أدرك «بن سلمان» حساسيته وخطورته، فسعى مبكرًا للحاق بالركب العالمى قبل أن يتجاوز الزمن المملكة.
بناءً على ما سبق فإن ما فعله محمد بن سلمان لم يكن أمرًا «اختياريًا» ولم يكن «نزهة ترويجية» لكنه كان أمرًا واجبًا يدركه كل عاقل أم متعقل، ولهذا فإنى أنظر إلى هذه الخطوات باعتبارها قبلة حياة جددت شباب المملكة، ومنحتها شهادة صلاحية للبقاء فى حيز الوجود الحضارى للعالم.