أكاذيب مفضوحة ومؤامرات لا تعرف سطراً للنهاية حاصرت الدولة السورية ولا تزال فى وقت سقطت فيه دمشق بين دولاً راغبة فى تفتيتها واستلاب حقوق شعبها، وأطراف تقف فى معسكر الحلفاء لأهداف لا تقل فى خطورتها عما يقود معسكر الأعداء، فبعد أسبوع من العدوان الثلاثى الذى استهدف العاصمة وعدد من المدن داخل سوريا فجر السبت، بذريعة الرد على هجوم دوما الكيماوى المزعوم، ومماطلة فريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فى دخول المدينة للتحقيق فى مدى صحة هذا الهجوم من عدمه، يتكشف يوماً تلو الآخر أن العدوان الثلاثى الذى تم بـ110 صواريخ جاء بناءً على مقطع فيديو لم يتم التأكد ـ حتى كتابة هذه السطور ـ من صحته.
هجوم الكيماوى فى دوما
ونشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية مقالا للكاتب روبرت فيسك، مراسلها المخضرم فى الشرق الأوسط، من داخل مدينة دوما، التى أصبحت محل أنظار العالم بعدما ظهرت صور المدنيين يعانون من هجوم مزعوم بالغاز، وهو ما اتخذته ثلاثة من أقوى الدول فى العالم الغربى سببا لتوجيه ضربة جوية لسوريا الأسبوع الماضى.
الصراع فى سوريا
ويقول فيسك إنه داخل إحدى المستشفيات التى تعالج المصابين فى المدينة، قال أحد الأطباء إن شريط الفيديو الذى روع العالم، وبرغم كل المشككين، حقيقى تماما.
فيسك
لكن الطبيب نفسه يقول إن المرضى لم يكونوا يعانون من الغاز ولكن من نقص الأوكسجين الشديد فى الأنفاق المليئة بالأنقاض، وأقبية منازلهم حيث كانوا يعيشون وذلك فى ليلة من الرياح والقصف الشديد الذى تسبب فى عاصفة ترابية.
ويقول فيسك إنه مع إعلان الطبيب عاصم الرحبانى هذا الاستنتاج الاستثنائى، فمن الجدير بالملاحظة أنه وباعترافه هو شخصيا وليس شهادة أحد شهود العيان، وكان يتحدث بلغة إنجليزية جيدة، أشار مرتين إلى مسلحى جيش الإسلام فى الدوما كإرهابيين، وهى الكلمة التى يستخدمها النظام لوصف أعدائه والمصلح الذى يستخدمه كثيرون فى سوريا.
ويتساءل فيسك فى مقاله قائلا: "أى رواية نصدق؟ فللحظ السىء أيضا الأطباء الذين كانوا يقومون بعملهم فى ليلة السابع من إبريل كانوا جميعا فى دمشق يقدمون الدليل على وجود أسلحة كيماوية".
الجيش السورى
وتقول فرنسا إن لديها دليل على استخدام الأسلحة الكيماوى، والإعلام الأمريكى نقل عن مصادر أن اختبارات الدم والبول أثبتت هذا أيضا، وقالت منظمة الصحة العالمية أن شركائها على الأرض قاموا بعلاج 500 مريض بدت عليهم أعراض التعرض للكيماويات السامة.
وفى نفس الوقت، فإن مفتشى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ممنوعون الآن من الذهاب إلى موقع استخدام الغاز لأنهم يفتقرون للتصاريح الصحيحة من الأمم المتحدة.
ويوضح فيسك فى سرده لقصة الطبيب السورى وروايته الجديدة أن هذه ليست القصة الوحيدة فى دوما، فكثيرون ممن تحدث معهم وسط الدمار قالوا إنهم لم يصدقوا أبدا قصص الغاز، التى اختلقها كما يقولون الجماعات المسلحة، فهؤلاء الإرهابيين أنفسهم نجوا، وبشكل غريب من القصف بالعيش فى منازل آخرين وفى أنفاق شاسعة وطرق سرية منحوتة داخل الصخور من قبل سجناء على ثلاث مستويات تحت المدينة.
ويتابع فيسك قائلا إنها سار فى الممرات الصخرية الواسعة التى لا تزال تحتوى على صواريخ روسية وسيارات محروقة.
ويؤكد الكاتب البريطانى أن قصة دوما ليست مجرد قصة الغاز من عدمه، ولكن عن آلاف الناس الذين لم يختاروا الإجلاء من دوما فى الحافلات التى غادرت الأسبوع الماضى مع المسلحين الذى اضطروا للعيش معهم لأشهر من أجل البقاء على قيد الحياة.
ويقول الطبيب الرحبانى البالغ من العمر 58 عاما، الذى يدير مستفى صغير فى الدوما أنه كان مع عائلته فى قبو منزله على بعد 300 متر من المكان فى الليلة، لكن كل الأطباء يعرفون ما حدث، كان هناك الكثير من القصف من قبل القوات الحكومية وطائرة تحلق طوال الوقت فوق دوما فى هذه الليلة.
وكان هناك رياح وسحب غبارية هائلة بدأت تصل إلى أقبية المنازل التى يعيش بها الناس. وبدأ الناس يصلون للمستشفى وهو يعانون فى من نقص الأكسجين، ثم صرخ أحدهم على الباب، وهو عضو من منظمة white helmet يصرخ قائلا "الغاز" ليبدأ الفزع بعدها وبدأ الناس يلقون المياه على بعضهم البعض.
ويؤكد الطبيب أن الفيديو الذى تم تصويره حقيقى، لكن ما تضمنه صور لأشخاص يعانون من نقس الأكسجين وليس التسمم بالغاز.
بدورها قالت مجلة فورين بوليسى الأمريكية، إن وسائل التواصل الاجتماعى لعبت دورا كبيرا فى القصف الثلاثى، الذى شنته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، ضد سوريا، مطلع الأسبوع الجارى.
وأشارت المجلة فى تقرير على موقعها الإلكترونى إلى أن "السوشيال ميديا" أصبحت مصدر رئيسى للدعاية حول سوريا حيث برزت كمعركة رئيسية فى الحملة الإعلامية الأمريكية والروسية لتعزيز تصريحاتهم المتناقضة بشكل حاد بشأن الأسلحة الكيميائية فى سوريا.
واعتمدت التقييمات الاستخبارات التى قدمتها الولايات المتحدة وفرنسا، لتبرير الاعتداء الصاروخى ضد سوريا لاستخدامها المزعوم للأسلحة الكيميائية فى إحدى ضواحى دمشق، على المعلومات المستقاة من مواد مفتوحة المصدر ووسائل الإعلام الاجتماعية. وفى الوقت نفسه، تقوم روسيا عبر الانترنت أيضا بتحويل اللوم.
وقال بن نيمو، الذى يدرس المعلومات المضللة كزميل فى المجلس الأطلسى: "لا أستطيع أن أفكر فى أى أمثلة أخرى استخدمت فيها هذه الفيديوهات السريعة على الإنترنت كأحد المبررات الرئيسية لشن عمل عسكرى".
ويشكل الاعتماد الكبير لإدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على المعلومات المتاحة للجمهور عبر الإنترنت، تحولا عن سلفه باراك أوباما الذى أصر على ضرورة توافر أدلة مادية لاستخدام الأسلحة الكيميائية قبل استخدام القوة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة