قاطعت القطارات فى السفر لأكثر من عشر سنوات، ولم ألجأ لها إلا نادراً، والسبب معروف للجميع، بعضها متعلق بعدم دقة مواعيد إقلاع ووصول القطارات، فالتأخير فى أغلب الحالات يصل لأكثر من ثلاث ساعات، وقد تفاجأ بأن الرحلة تم إلغاؤها لأن سائق القطار غير موجود، أو لتعطل القطار، هذا بخلاف النظافة التى خاصمت قطاراتنا، التى تحولت إلى ما يشبه مقالب الزبالة نتيجة الإهمال الشديد الذى لحق بها.
قبل ثلاثة أعوام كنت فى زيارة للصين، وأراد منظمو الرحلة أن ننتقل من العاصمة بكين إلى مدينة شنغهاى بالقطار، وعندما علمت بالمسافة التى تصل إلى 1318 كيلومترا اعترضت، متخوفاً من طول المسافة، وطلبت أن أسافر بالطيران، لكنهم ظلوا يطمئنونى بأن الرحلة عبر القطار ممتعة، ومن المهم أن نجرب السفر عبر القطار السريع، ولم أجد حلاً سوى الرضوخ لهم، وبالفعل ركبت القطار، الذى وجدته شبيهاً بالطائرة من الداخل، ومواعيده منتظمة، فقد قطع الرحلة فى 4 ساعات و48 دقيقة بالضبط، لأن القطار تبلغ سرعته 300 كيلومتر فى الساعة، والأهم من ذلك نظافة القطار وانتظام موعيده، لدرجة أن تذكرة السفر مدون بها موعد الوصول بالدقيقة.
نفس الأمر حدث معى فى اليابان قبل شهرين تقريباً، فقد سافرت مع مجموعة من الزملاء الصحفيين من مدينة هيروشيما إلى العاصمة طوكيو بالقطار الذى قطع المسافة التى تبلغ 800 كيلو متر فى ثلاث ساعات تقريباً، ووصلنا إلى طوكيو فى نفس الموعد المدون فى تذكرة السفر.
ماذا ينقصنا لكى يكون لدينا قطارات آدمية، خاصة أن مصر من أوائل دول العالم استخداما للقطار، لكنها الآن لا تصنيف لها فى القطارات، سواء تعلق الأمر بالأمان أو النظافة أو دقة المواعيد؟ أعتقد ينقصنا توفير الإمكانيات وفوق ذلك الإرادة.
وزارة النقل تقول إن الإرادة متوفرة، لكننا بحاجة لإمكانيات، خاصة أن مرفق القطارات يعانى من خسائر متكررة، ومن الصعب حدوث التطوير فى ظل هذه الخسائر، وأن الحل يكمن فى إعادة هيكلة مرفق السكك الحديدية بالكامل، ورفع أسعار الخدمة المقدمة للمواطنيين، وهنا تكمن المشكلة، فمنذ سنوات ونحن نسمع عن أصل المشكلة، لكننا للأسف لم نطرقه أو نحاول الاقتراب منه، إما خوفاً شعبياً أو سياسياً، رغم يقين الجميع أن استمرار الوضع على ما هو عليه الآن سيصل بنا إلى كارثة محققة.
إذا كان لدى وزارة النقل أو الحكومة بشكل عام مخطط لتطوير مرفق السكك الحديدية، ليكون آدميا، وأشبه بما نراه فى كل دول العالم، فلماذا تتأخر فى عرضه على الرأى العام، والبدء فى تنفيذه فوراً، لأنه مهما كانت هناك اعتراضات على زيادات متوقعة لأسعار التذاكر، لكنها لن تقارن بالهدر فى وقت كل مواطن اختار القطار كوسيلة لانتقاله يومياً، فهو يخرج صباحاً، ولا يدرى متى سيصل، وهل سيصل أمنا أم سيكون مصيره حادث قطار من تلك الحوادث التى نسمع عنها.
لا أعتقد أن هناك من يعترض على تطوير وهيكلة مرفق السكك الحديدية فى مصر، حتى وإن كان المقابل هو رفع سعر الخدمة المقدمة، لكن شريطة أن تعلن الوزارة والحكومة خطة زمنية محددة بالتطوير والشكل النهائى الذى ستصل له القطارات فى مصر مع نهاية الخطة، فأنا وغيرى كثيرون نوافق على رفع سعر التذاكر، على أن نجد قطارا آدميا نستخدمه فى رحلاتنا وتنقلاتنا اليومية.
نعم هناك من يريد التشويش على خطط التطوير، لأنه يريد للمرفق أن ينهار تماماً، ولا ننسى أن هناك خططا قديمة من جانب عدد من رجال الأعمال لخصخصة هذا المرفق الحيوى، وبالتالى فهم يقفون بالمرصاد أمام أى محاولة للتطوير، حتى ينهار المرفق ويفوز هم بالكعكة، لذلك نراهم يؤججون عبر وسائط متعددة يملكونها النقاش حول إمكانية رفع أسعار تذاكر القطارات، لأن ما يهمهم أن ينهار المرفق ويتحول إلى خرابة ليدخلوا هم.
ما أقوله عن القطارات ينطبق أيضاً على المترو، الذى يعانى من مشاكل فنية كثيرة، وبحاجة إلى خطة للتطوير وهيكلة تزيل من على كاهله كل هذه الخسائر التى أثقلته وجعلته يتحرك ببطء أشبه بالسلحفاة، لذلك فإن رسالتى إلى الحكومة ووزير النقل أنه إذا كان رفع أسعار التذاكر سيوفر لنا خدمة تليق بنا، فأهلا بالزيادة، وعليهم أن يكونوا أكثر جرأة ولا يتأخروا، لأن أى تأخير سيكون له عواقب ليست حميدة، لكن شريطة أن يكون مع الزيادة خطة واضحة بإطار زمنى محدد للتطوير والهيكلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة