لا توجد قضية تستحق أن تفرد لها مساحات للنقاش والشرح مثل قضية التعليم، هناك اتفاق على أن أنظمة التعليم الحالية لم تعد تناسب العصر، فضلا عن أن التعليم لدينا يعانى من تراكمات لتجارب كثيرة، حولت التعليم إلى طبقات تشبه الطبقات الجيولوجية، والأمر بحاجة إلى تأسيس جديد للتعليم بشكل يعيد صياغة العملية التعليمية على الأقل فى التعليم الأساسى بشكل ينهى حالة التراكم والطبقات والتعدد وتأثيرات التجارب، فضلا عن مواجهة المشكلات الرئيسية بصراحة، ومن دون تهويل أو تهوين.
ما نعرفه أن مشروع تطوير التعليم الذى يطرحه وزير التربية والتعليم طارق شوقى هو نتاج جلسات ومناقشات لعدد من العلماء والخبراء المصريين والدوليين، وأنه ليس مشروع وزير وإنما مشروع دولة، وزير التعليم يقول: إن مشروع تطوير التعليم هو مشروع دولة وليس مرتبطا بوزير موجود أو آخر قادم، وهو أمر مهم، لأنه يجعل التعليم عملية مستمرة بصرف النظر عمن يتولى العملية التعليمية.
ويبدو أن وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى جاد حتى الآن فى طرح الفكرة وشرحها والإجابة عن الأسئلة التى يطرحها البعض حول المشروع، ثم إنه بمجلس النواب، لأن التطوير بحاجة إلى قانون جديد ينظم العملية التعليمية برمتها، لأن التشريعات الحالية لا تصلح للمستقبل.
وهناك حاجة لتوسيع دوائر المناقشة والشرح أمام مجلس النواب، وأيضا هناك حاجة إلى عقد لجان استماع يمكن أن تساهم فى شرح التطوير للمجتمع، وتجهيز المجتمع للمشروع، حتى يمكن أن يساعد فى التطوير. وهناك حاجة لشرح هذا النظام للمدرسين والقيادات التعليمية حتى يمكنهم تفهمه واستيعابه، بجانب أن المشروع حسبما أعلن الوزير يتضمن تدريب وتجهيز للمدرسين والكوادر التعليمية حتى يمكنها القياد بدورها، لأن المعلم هو أساس التعليم، وهو الذى يفترض أنه يستوعب التكنولوجيا وشرح المناهج المطورة، ومثل كل أدوات التعليم فإن المعلم بحاجة إلى جهد معنوى ومادى، ليقوم بدوره على وجه صحيح ومناسب.
ربما نكون بحاجة إلى إدارة حوار يطمئن الناس أن الأمر ليس تكرارا لتجارب الترقيع السابقة التى حولت التعليم إلى حقل تجارب بإلغاء سنة أو إضافة سنة، أو دمج سنوات فى الثانوية العامة.
وطبيعى أن يكون لدى المجتمع خوف من تجارب الماضى، وتساؤلات عن مصير الكتب الخارجية والمناهج التعليمية الجديدة ومدى الجدية فى إلغاء الكتاب التقليدى، واستبداله بجهاز إلكترونى يتضمن المناهج.
أهم ما يمكن اكتشافه فى عملية تطوير التعليم هو توحيد نظام التعليم، وفى كل دول العالم هناك قانون ونظام واحد للتعليم والفرق فى بعض التفاصيل، ولا نظن أن هناك دولة فى العالم لديها أنظمة تعليمية ومختلفة ومتعددة، مثل الأنواع المتوفرة لدينا، عندنا تنويعات من أنظمة التعليم، العادى الحكومى والتجريبى والمعاهد القومية والخاص فيه اللغات والعربى، وهناك أنظمة أمريكية وبريطانية وألمانية وأزهرية، وداخل كل نوع هناك أنواع ودرجات فى التعليم الأساسى، وهو تعدد ينتج تلاميذ مختلفين لا يمكن أن يكونوا قادرين على الوجود فى مجتمع واحد، ولا يمكن أن يقوم بينهم تفاهم إنسانى أو اجتماعى.
أول خطوة هى أن يكون هناك نظام للتعليم فيه مشتركات أساسية، من اللغات والعلوم والثقافة، وليس حسب الهوى، أما الخطوة الأهم هو تغيير نظام الامتحانات بشكل يلغى الحفظ والمذاكرة من أجل الامتحان، وأن يصبح قائما على الفهم وليس على الحفظ، وأن يعبر عن المستوى الحقيقى للطالب، فيما يتعلق بالدروس الخصوصية هى تدريب على ذلك النوع من الحفظ وعلى الإجابات النموذجية، وبإلغاء الإجابات النموذجية ووضع امتحانات غير متوقعة، سوف تنتهى الدروس الخصوصية.
وحسب وزير التعليم قدر البنك الدولى تكلفة تطوير التعليم بـ2 مليار دولار، يلتزم البنك منها بنصف مليار دولار ومصر تتكفل بالباقى، خاصة وأن ميزانية التعليم لم تصل إلى النسبة من الدخل القومى المقررة فى الدستور، والرقم يمكن تدبيره من المنح والقروض، وأيضا بطرق تمويل غير تقليدية يمكن التوصل إليها مثلما يجرى الأمر فى التأمين الصحى.
والأهم من الإمكانات المادية، هو حسن إدارة الإنفاق، بشكل اقتصادى، وفى حالة الاستغناء عن الكتاب المطبوع فعلا مثلما أعلن وزير التعليم يمكن توفير مبالغ ضخمة تنفق على كتاب مدرسى لا يستفيد منه التلميذ، ثم إن جزءا من الموازنة الخاصة بالتعليم يفترض أن تكون مرصودة للمعلم حتى يمكنه أن يحصل على دخل مناسب يسهل مواجهة الدروس الخصوصية. والكتب الخارجية وهى أمور تمثل مصالح لعدد كبير من الناس يفترض أنهم سيضارون من تطوير التعليم الذى يتوقع أن يصطدم بأصحاب مصالح متعددين، سوف يحاولون مقاومة التغيير، لأنهم يربحون من الواقع العشوائى للتعليم، المهم أن نجاح المشروع مرهون بمساندة المجتمع، وهو ما يحتاج مزيدا من الشرح والتوضيح، لأن نجاح المشروع يضمن المرور نحو المستقبل بالفعل، وليس على سبيل التجريب.