وائل السمرى

البرومبيق فى الشرمرق

الثلاثاء، 24 أبريل 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تسألنى عن معنى عنوان هذا المقال، فأنا نفسى لا أعلم له معنى، تماما مثل الكثير من الأشياء التى تمر أمامنا دون أن نفهمها، والكثير من الأشخاص الذين نقابلهم دون أن نعرف لماذا هم هنا ومتى؟ فللأسف كما قلت فى مقال سابق نشر بعنوان «محترفو الولا حاجة» فإن العالم لم يخترع بعد جهازًا أو مؤسسة لمكافحة «الغش الإنسانى»، لكنه وضع معايير مناسبة لضمان استئصاله من منابعه، لكن الأمر يختلف تمامًا فى تلك المجتمعات التى اتخذت من دنياها هزوًا، وأصبحت السخرية فيها بديلا عن الحياة الحقيقية، وتسيد فن الكاريكاتير على كل الفنون حتى صارت نصف الشخصيات التى تقابلها يوميا «كاركترات» هاربة من إطار لوحة كاريكاتورية.
 
آباؤنا رأوا هذه الظاهرة قديما وتندروا عليها، لكنهم لم يدركوا أن السماح بوجودها، حتى ولو كان على سبيل السخرية، سيضاعف من حضورها، ويجعلها قاعدة عامة يتبعها الجميع.. آباؤنا أيضا أخبرونا عن تلك الفئة من الناس التى لا تحترف شيئا سوى «الولا حاجة»، فيتحولون بين ليلة وضحاها إلى «حاجة» تكون المحصلة «ولا حاجة»، لأن القاعدة الرياضية تقول إن أى شىء مقسوم على صفر يساوى صفرًا، وأى شىء مضروب فى صفر هو صفر أيضا.
 
محترفو «الولا حاجة» تكاثروا، تناثروا، وفى غياب الرؤية يسهل الخداع، رجل لا يرى، يصاحب رجلًا لا يفعل، والنتيجة هى شيوع الإظلام وتعطل «المراكب السايرة»، لكن، والحق يقال، هؤلاء الذين «لا يفعلون» لا يفعلون تمامًا، وإنما يمثلون أنهم يفعلون، يؤدون نفس الحركات، يتحدثون بنفس المصطلحات، يقولون كلاما يبدو مرتبا، يتحصنون بـ«هكذا»، ويفضلون «أيضا»، ويكثرون من الاستشهاد «بما قل ودل»، تجدهم يكثرون من استخدام جمل على شاكلة «مما لا يدع مجالا للشك»، و«وليكن ما يكون»، يحبون المصطلحات المنفوخة، والعبارات «النافخة»، يكررون ما يقولون، ثم يؤكدون على ما يكررون، فيحسب الناس ما يقولونه حقا، وهو والفراغ سواء، وهم فى أفضل الأحوال برومبيق فى شرمرق، يفعلون الـ«البرومبيق فى الشرمرق» ويتميزون فى «البرومبيق فى الشرمرق» فتصبح الخضراء فى يدهم يابسة، وتتحول الحياة إلى «برومبيق كبير فى شرمرق أكبر». 
 
آباؤنا أيضًا جسدوا هذه الظاهرة فى القول «لابسين مزيكا»، وأصل هذه التسمية هو أن «فرقة حسب الله» الشهيرة كانت تضطر أحيانًا إلى قبول العمل فى مناسبتين أو ثلاث فى وقت واحد، فكانت تقسم نفسها إلى مجموعتين أو ثلاث، ولأن أصحاب المناسبة ما كانوا ليقبلوا إلا بكامل عدد الفرقة ذات الشكل المميز، كانت الفرقة تحضر بعض الأشخاص العاديين وتمنحهم بعض آلات النفخ وبعض آلات الإيقاع، وتلبسهم الزى الرسمى للفرقة، على أن يمثلوا طوال الحفلة أنهم يعزفون دون أن يعزفوا، ويقال، والعهدة على كاتب هذه السطور، إن هذه الفرقة اندثرت تمامًا، وإن سبب اندثارها الوحيد هو أن تنظيم «لابسين مزيكا» انتشر فى البلاد، مدعيًا أنه «حسب الله الأصلى» حتى كره الناس الموسيقى ولابسيها، فانصرفوا عن الفرقة تمامًا.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة