"حين تكتب رواية عن المستقبل ينبغى عليك أن تدرس أشياء كثيرة تم اختراعها حتى الآن، وأن تتحسس رغبات البشر وتطلعهم لاختراعات جديدة، مختلفة لم تنتج بعد، وتخترعها أنت، ربما كانت (اختراعاتى) فى الرواية هى الشىء الممتع الوحيد لى، أثناء كتابتها، أما ما يتعلق بالبشر فكان الأمر مرهقا ومدمرا لى.."، هكذا عبر الكاتب الكبير إبراهيم نصر الله، عن روايته الأخيرة "حرب الكلب الثانية".
وأعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر، فوز الرواية الصادرة عام 2016 عن الدار العربية للعلوم ناشرون فى بيروت، عن جائزتها الأدبية لعام 2018.
وتدور أحداث هذه الرواية، بخيالها الطليق، وواقعيتها المجنونة فى عالم المستقبل، وبقدر ما تتأمل حالًا عربيًا، بقدر ما تتأمل أحوال البشر فى كل مكان، فى زمن لم يعد فيه الإنسان قادرًا على التمييز ما إذا كان الإنسان الذى يقف مقابله هو شبيهه أم قاتله.
تدور الرواية حول تحولات المجتمع والواقع بأسلوب فانتازى، يفيد من العجائبية، ومن الخيال العلمى فى فضح الواقع وتشوهات المجتمع فى التركيز على فساد الشخصية الرئيسيّة وتحولاتها بين موقعين مختلفين، من معارض إلى متطرف فاسد، وتكشف رواية "حرب الكلب الثانية" هذه نزعة التوحش التى تسود المجتمعات والنماذج البشرية واستشراء النزعة المادية بعيدًا عن القيم الخلقية والإنسانية، فيغدو كل شيء مباحًا حتى المتاجرة بمصير الناس وأرواحهم.
و"حرب الكلب الثانية"، تدخل ضمن الشرفات التى أصدر الكاتب منها: شرفة الهذيان، شرفة رجل الثلج، شرفة العار، شرفة الهاوية، شرفة الفردوس، وأخيرا حرب الكلب الثانية التى تثير قضايا مصيرية كبيرة فى مجتمع عربى أغلق على نفسه كل أبواب الحياة والحداثة وبدأ ينزلق نحو السقوط الكلى، مجتمع يموت يوميا بلا هوادة، يفقد أجزاءه الحية فى حالة تراجيدية شبه قدرية لا يمكن تفاديها. يعيد إنتاج وسائط تخلفه القاتلة. فى هذا النص يخرج إبراهيم من التاريخ جزئيا لينخرط فى تخييل جديد لا تاريخى، هو بمثابة تاريخ استباقى يرتسم فى الأفق بيقين لا يمكن تفاديه، يستعيد فيه حاضرا لم نعشه بعد لكنه قادم لا محالة، بضجيجه ودمه وتشرده. ضاربا عرض الحائط بكل التأطيرات الشارحة"، وذلك حسبما قال عنها الروائى الكبير واسينى الأعرج.